إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تزايدت، في الفترة الأخيرة، وتيرة الحرب الأمنية بين طهران وتل أبيب، التي ترافقت مع تصعيد كبير في التهديدات بين الطرفين، بيد أن استهداف طهران سفينة حاويات إسرائيلية في بحر العرب في 25 مارس الماضي، قد سلَّط الضوء على تصاعد الصراع والمناوشات البحرية بين الطرفين في الأعوام الأخيرة، بالرغم من حرص الطرفين على عدم الإعلان عن هذه الهجمات.







دلالات محتلفة



1– ردع التهديدات الإسرائيلية: يبدو أن إيران تهدف من تصعيدها الأخير ضد السفن البحرية الإسرائيلية، إلى ردع الهجمات الإسرائيلية المتزايدة، لا سيما في المجال البحري؛ حيث باتت الهجمات الإسرائيلية تشكل عائقًا حقيقيًّا ضد سفن النفط الإيرانية التي تحاول الالتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال بيع النفط لبعض الدول الحليفة لطهران، مثل الصين، وهو الأمر الذي يجعل طهران قادرةً بطريق أو بآخر على الصمود في وجه العقوبات الأمريكية القاسية.



بالإضافة إلى حاجة بعض حلفاء طهران إلى النفط على نحوٍ مُلِحٍّ، مثل سوريا وفنزويلا. ومن ثم، يُمثِّل تصاعد التهديدات البحرية الإسرائيلية هاجسًا حقيقيًّا لطهران؛ فقد تم الإعلام مؤخرًا عن استهداف سفينة إيرانية في البحر المتوسط كانت متوجهة إلى سوريا، وهو الأمر الذي تكرَّر أكثر من مرة.



كما تستخدم طهران السفن في نقل شحنات الأسلحة إلى سوريا، التي يتم نقلها لاحقًا إلى حزب الله اللبناني. وفي هذا الصدد، تمَّ الكشفُ عن أن إحدى السفن التي استهدفتها تل أبيب مؤخرًا كانت تحمل مُعدَّات لبرنامج صواريخ حزب الله؛ الأمر الذي أجبر السفن المستهدفة على العودة إلى إيران دون تسليم حمولتها.







2– رد إيراني على الهجمات الإسرائيلية: يمكن أن تُعزَى الهجمات البحرية الإيرانية، في جانبٍ منها، إلى رغبة طهران في الانتقام من تل أبيب، لا سيما بعد اتهام العديد من الجهات في إيران، إسرائيل بالضلوع بالكثير من الهجمات التي استهدفت إيران خلال الفترة الماضية، ولعل أبرزها اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في أواخر نوفمبر 2021، بالإضافة إلى اتهام إسرائيل بالتورط في الهجمات المتكررة التي استهدفت بعض المواقع النووية الإيرانية الحساسة، والتي ازدادت بقدر ملحوظ منذ منتصف عام 2020، ولعل أبرزها الهجوم الذي أدَّى إلى شل محطة تجميع أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة "نطنز" لتخصيب اليورانيوم.







3– وعي طهران بالتكلفة الباهظة للحرب البحرية: في إطار سعيها إلى ردع تل أبيب، تدرك طهران أن إسرائيل سوف تفكر كثيرًا في تكلفة الحرب البحرية مع إيران، وأن أي تصعيد محتمل قد يكلفها الكثير، لا سيما بعد أن أدت إحدى الهجمات الإسرائيلية على السفن الإيرانية إلى تسرب أطنان من القطران على شواطئ لبنان وإسرائيل. ومن ثم فإن طهران تعي أن تكلفة الحرب البحرية تعتبر باهظة جدًّا لإسرائيل، لا سيما مع تزايد المصالح الاقتصادية لإسرائيل في المنطقة، وعدم امتلاك تل أبيب القدرات اللازمة لحماية تلك المصالح، وهو ما قد يمثل تهديدًا حقيقيًّا لإسرائيل.







4– دفع الإدارة الأمريكية إلى تسريع وتيرة التفاهمات النووية: يبدو أن إيران راهنت على عودة سريعة للإدارة الأمريكية الحالية إلى الاتفاق النووي، بالنظر إلى تصريحات العديد من أعضاء الإدارة الحالية بالرغبة في العودة إلى الاتفاق النووي، وانتقادها اللاذع لترامب على الانسحاب منه. ومن ثم، يبدو أن طهران تحاول من خلال هذا التصعيد الكبير إلى دفع الإدارة الأمريكية لتسريع وتيرة التفاهمات النووية، ورفع العقوبات الاقتصادية المعروضة عليها.







5– كسب ورقة مساومة في أي مفاوضات قادمة: ربما تحاول طهران، من خلال زيادة هجماتها البحرية على إسرائيل، زيادة الضغوط على الإدارة الأمريكية، وتوسيع هامش المناورة معها، وهو الأمر الذي قد يقلل حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها طهران خلال المفاوضات المحتملة مع الإدارة الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني، الذي يعتبر القضية المحورية بالنسبة إلى طهران في الوقت الحالي، نظرًا إلى ارتباطه الوثيق بقضية العقوبات واستقرار النظام في طهران.



ويعزز هذا الافتراض، تزامن الهجمات الإيرانية البحرية مع تصعيد كبير من قبل الجماعات المسلحة الموالية لطهران في العراق ضد المصالح الأمريكية، بالإضافة إلى التصعيد الكبير وغير المسبوق لجماعة الحوثي ضد منشآت النفط السعودية.







6– الترويج لتطور القدرات البحرية الإيرانية: يبدو أن طهران تحاول من خلال تصعيد هجماتها البحرية ضد إسرائيل، الترويج لتطور القدرات البحرية الإيرانية، وتعويض الضعف النسبي في قدراتها الجوية. يذكر أن الجيش الإيراني يحتل المركز الرابع عشر بين أقوى الجيوش في العالم؛ وذلك طبقًا لموقع "جلوبال فاير باور" المختص بمقارنة القدرات العسكرية للدول، وقد استطاعت إيران في السنوات الأخيرة تحقيق طفرة كبيرة في قدراتها البحرية؛ حيث يضم الأسطول البحري الإيراني 398 قطعة بحرية، تتنوع بين طرادات وغواصات وسفن دوريات.



وقد توازى تطور إيران في مجال الصناعات البحرية مع تطور موازٍ في الجانب العلمي؛ حيث أولت إيران التعليم البحري اهتمامًا كبيرًا أيضًا. وفي هذا الصدد، تم تأسيس جامعة الإمام الخميني للعلوم البحرية بمدينة نوشهر شمال إيران، التي تضم أربع كليات؛ هي: كلية الملاحة وقيادة السفن، والهندسة الكهربائية والإلكترونية، وهندسة الاتصالات، والهندسة الميكانيكية البحرية.







وفي المجمل، بالنظر إلى تعدُّد الدوافع الإيرانية، فإنه يُرجَّح أن تعمل إيران على تصعيد هجماتها البحرية ضد المصالح الإسرائيلية في الفترة القادمة، خاصةً في حال استمرار إسرائيل في مهاجمة السفن الإيرانية، وكذلك الأهداف الإيرانية في سوريا؛ حيث ترغب طهران كذلك في استغلال "التباين الجزئي" بين إسرائيل والإدارة الأمريكية الحالية تجاه ملفات المنطقة، ومحدودية القدرة الإسرائيلية على القيام بتصعيد كبير مع طهران دون دعم أمريكي كامل، وهو ما جعل طهران أكثر ميلًا إلى التصعيد في المرحلة القادمة.

دوافع تصعيد الهجمات البحرية الإيرانية ضد إسرائيل