إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><br>شهد يوم 3 يونيو الجاري زيارة هي الأولى من نوعها لوفد من وزارة الخارجية الهندية إلى العاصمة الأفغانية كابول؛ وذلك برئاسة جي بي سنك سكرتير وزير الخارجية. وأشار بيان الخارجية الهندية إلى أن الوفد التقى وزير الخارجية في حكومة طالبان الملا أمير خان. وناقش الجانبان العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها. وقد طرحت هذه الزيارة العديد من التساؤلات التي تحاول الوقوف على مستقبل الانفتاح الهندي على حركة طالبان، وأبرز التحديات التي تواجه هذا الانفتاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات الانفتاح</span></strong></p>



<p><strong>تصاعدت في الشهور الأخيرة مؤشرات الانفتاح الهندي على حركة طالبان، وتبلورت أهم هذه المؤشرات فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تعزيز العلاقات الهندية الرسمية مع حركة طالبان:</strong> لعل هذا ما اتضح من زيارة وفد وزارة الخارجية الهندية إلى أفغانستان، يوم 3 يونيو الجاري؛ حيث أفاد بيان لوزارة الخارجية الهندية، بالتزامن مع الزيارة، بأن "نيودلهي مصممة على استئناف علاقاتها مع أفغانستان كما كانت في السابق، وأن تُقدِّم كل المساعدات اللازمة لأفغانستان"، وأضاف البيان أن "الهند تتيح الفرصة لوصول الصادرات الأفغانية إليها، إضافة إلى تقديم كل المساعدات اللازمة لأفغانستان في المجال التجاري والاقتصادي"، كما لفت البيان إلى أن "الطرفين اتفقا على تعزيز وتبادل الزيارات واللقاءات من أجل تعزيز العلاقات في المستقبل"، وهو ما مثل تأكيداً هندياً رسمياً للتوجه نحو تعزيز العلاقات مع حركة طالبان، وهو توجه مدفوع بجملة من الحسابات الاستراتيجية الهندية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– بحث مسألة إعادة فتح السفارة الهندية في أفغانستان: </strong>وهي مسألة استحوذت على اهتمام واضح من قبل الطرفين، وخاصةً طالبان؛ حيث أشارت تقارير في الشهور الماضية إلى أن فريقاً من المسؤولين الهنود زار كابول في فبراير الماضي لاستكشاف إمكانية إعادة فتح السفارة الهندية. علاوة على ذلك، أشار بيان لوزارة خارجية حكومة طالبان، يوم 3 يونيو الجاري، إلى أن وزير الخارجية الأفغاني طلب استئناف الهند مشاريعها السابقة في أفغانستان، وفتح سفارتها وقنصلياتها في أفغانستان كي تقدم للأفغان الخدمات اللازمة، خاصةً للطلبة والمرضى الذين هم بحاجة إلى السفر إلى الهند.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– رغبة حركة طالبان في تطوير العلاقات مع الهند:</strong> وهو أمر عبَّر عنه العديد من مسؤولي الحركة؛ فعلى سبيل المثال، أشار وزير الدفاع في حكومة طالبان الملا يعقوب – وهو نجل مؤسس حركة طالبان – في حوار مع قناة (نيوز 18) الهندية، في شهر يونيو الجاري، إلى أن بلاده تريد علاقات استراتيجية مع الهند، إضافةً إلى تعزيز العلاقات في مجال الدفاع؛ وليس العلاقات الدبلوماسية فقط. وأوضح "يعقوب" أن "أفغانستان تسعى من أجل تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية مع الهند، وهي ماضية إلى الأمام بهذا الخصوص"، وطلب من الهند فتح سفارتها في كابول، وقبول سفير "طالبان" في نيودلهي، مشيراً إلى أن حكومة طالبان "توفر الحماية اللازمة للبعثات الدبلوماسية الهندية". وتُعبِّر هذه المؤشرات الرسمية عن تطور جوهري في فكر حركة طالبان؛ حيث عكست هذه المؤشرات عدم ممانعة طالبان الانخراط في مسائل أكثر جوهريةً مع الهند، وترحيبها بالانفتاح عليها، خصوصاً في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية التي تفرض على الطرفَين هذا التوجه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– توظيف نيودلهي للمساعدات لتطوير علاقاتها بطالبان: </strong>اعتمدت "نيودلهي" خلال الشهور الماضية على دبلوماسية المساعدات من أجل تعزيز وجودها في أفغانستان والانفتاح على حركة طالبان؛ فمنذ نهاية عام 2021، قدَّمت الهند لأفغانستان العديد من المساعدات الطبية واللقاحات لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، وكذلك مساعدات غذائية شملت بصورة رئيسية شحنات من القمح. وفي هذا السياق، أشار بيان لوزارة الخارجية الهندية، يوم 2 يونيو الجاري، إلى إرسال فريق من المسؤولين الهنود إلى كابول لإجراء محادثات مع مسؤولي حركة طالبان، والإشراف على توزيع المساعدات الهندية لأفغانستان. وقالت الوزارة إن الهند "تبرعت بنحو 20 ألف طن من القمح، و13 طناً من الأدوية، و500 ألف جرعة من لقاحات كوفيد–19 وملابس للشتاء، بالإضافة إلى المزيد من الأدوية والحبوب لا تزال في الطريق".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">حسابات الطرفين</span></strong></p>



<p><strong>يُمكن القول إن هناك جملة من الحسابات التي تقف خلف توجه الطرفين نحو تبني خيار "الانفتاح المتبادل"؛ وذلك على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– </strong><strong>المصالح الاقتصادية المتبادلة</strong><strong>:</strong> يُمثل العامل الاقتصادي مُحدداً رئيسياً حاكماً لتوجه كل من الهند وحركة طالبان نحو تبني خيار الانفتاح؛ إذ تُشير بعض التقارير إلى أن القطاع الهندي الخاص يستثمر ما يزيد على 10 مليارات دولار في أفغانستان، بالإضافة إلى أهمية مشروع خط الغاز الذي سيمر بين تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند، واتفاقية العبور بين الهند وإيران لنقل البضائع إلى أفغانستان، ومن ثم فإن أفغانستان تُمثل بيئة استثمارية قوية بالنسبة إلى الهند، ومدخلاً مهماً للحضور في أسواق آسيا الوسطى. وفي المقابل، تُمثل الهند واحداً من أهم الشركاء الاقتصاديين بالنسبة إلى أفغانستان، ومن ثم ينظر الطرفان إلى العامل الاقتصادي على أنه مدخل مهم لتجاوز أي خلافات قديمة، وتدشين حقبة جديدة من العلاقات أكثر تعاونيةً.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– الحسابات الجيوسياسية للهند: </strong>يأتي الانفتاح الهندي على حركة طالبان في ضوء حساباتها الجيوسياسية؛ حيث تسعى كل من إيران والصين وباكستان وروسيا إلى تعزيز نفوذها ودورها في أفغانستان. وفي ضوء هذا التنافس الجيوسياسي المحتدم، تسعى الهند إلى إعادة ترتيب أوراقها وتعزيز مكانتها في أفغانستان في مواجهة النفوذ الصيني والباكستاني المتنامي، وهو النفوذ الذي يُمثل مصدر قلق بالنسبة إلى نيودلهي؛ فمن جهة رأت الهند أن الصين سعت في بعض الفترات إلى تهميش دورها في أفغانستان، وهو ما تجسد في استبعادها من المحادثات الثلاثية بين الصين وأفغانستان وباكستان، ومن جهة أخرى يوجد تنافس جيوسياسي تاريخي بين الهند وباكستان على الحضور في المنطقة بوجه عام.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– احتياج طالبان إلى الاعتراف الخارجي: </strong>تواجه طالبان منذ سيطرتها على مقاليد السلطة في أفغانستان إشكالية العزلة الخارجية، وهو ما يدفعها إلى البحث عن مسارات متنوعة لتطوير علاقاتها بكافة الدول والأطراف الإقليمية. وفي هذا الإطار، ترى الحكومة الأفغانية في التقارب مع الهند خطوة ضرورية للاعتراف الإقليمي، بعد أن أقامت طالبان علاقات قوية مع تركمانستان وأوزبكستان وباكستان وإيران، وتحاول الآن مد الجسور مع الهند وطاجيكستان؛ إذ ترى طالبان أن هذا القبول الإقليمي لها يفتح الباب أمام الاعتراف الدولي بها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– رغبة الهند في مواجهة مهددات أمنها:</strong><strong> </strong>لا يُمكن إغفال العامل الأمني فيما يتعلق بتوجه الهند نحو الانفتاح على حركة طالبان، خصوصاً مع بروز مؤشرات على سعي بعض الحركات الإسلامية إلى استلهام نموذج طالبان والحضور والنشاط في أفغانستان، ومن ثم ترى الهند في زيادة الانفتاح على حركة طالبان والتنسيق معها، مدخلاً لمراقبة أنشطة هذه الحركات والتعاطي معها، وتحجيم أي تهديدات للأمن القومي الهندي من الأراضي الأفغانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات قائمة</span></strong></p>



<p><strong>على الرغم من تنامي المؤشرات على الانفتاح المتبادل بين الهند وحركة طالبان، فإن هذا التوجه يواجه بعض التحديات، ومن هذه التحديات ما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– الإساءات المتكررة للمسلمين في الهند:</strong><strong> </strong>أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مسار الانفتاح بين الهند وحركة طالبان، يتمثل في الإساءات المتكررة التي يتعرض لها المسلمون في الهند، التي كان آخرها ما قام به مسؤولان في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، من إساءة للمسلمين في أنحاء العالم ومقدساتهم، فضلاً عن أزمة الحجاب، وهو ما دفع حركة طالبان في 6 يونيو الجاري إلى مطالبة الحكومة الهندية باتخاذ إجراءات بحق المتعصبين ضد الدين الإسلامي. وفي هذا السياق، يبدو أن توجه رئيس الوزراء الهندي الحالي "ناريندرا مودي"، نحو الانتقال بالهند من "العلمانية" إلى "الهندوسية"، هو توجه يمثل تحدياً رئيساً أمام العلاقات الهندية مع أفغانستان طالبان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التخوف من تهديدات طالبان للأمن الهندي:</strong><strong> </strong>تُمثل علاقة حركة طالبان بالعديد من حركات التطرف العنيف الموجودة في الإقليم، خصوصاً في باكستان والهند، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مسار استئناف العلاقات الثنائية، خصوصاً أن تهديد هذه الحركات لا يقتصر على الارتباط الأيديولوجي لها بطالبان، وسعيها إلى استلهام نموذجها، بل يتجاوز ذلك إلى حد وجود علاقات بتنظيم داعش الإرهابي، وهو الأمر الذي يمثل تهديداً للأمن القومي الهندي. ويعزز من هذه التخوفات الإعلان، في 10 فبراير الماضي، عن حركة جديدة في الهند تحت مسمى "طالبان الهند". وأشارت الحركة الجديدة إلى بدء نشاطها الفعلي على الأراضي الهندية، لكنها أشارت إلى أنه "لا علاقة لها بحركة طالبان الأفغانية أو الباكستانية"، مؤكدةً "استقلاليتها"، في محاولة – على ما يبدو – لعدم الصدام المبكر مع الحكومة الهندية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولفتت تقارير إلى أن الحركة ضمت حتى الآن مئات المسلمين الهنود والكشميريين، لكن بعض التقديرات ذهبت إلى وجود علاقة ارتباطية بين الحركة الجديدة وحركة طالبان الأم، خصوصاً أن جذور طالبان الأم تعود إلى مدرسة دار العلوم الديوبندية في الهند، فضلاً عن أن تأسيس الحركة الجديدة جاء بالتزامن مع التصعيد الذي تقوم به طالبان "باكستان" ضد السلطات الباكستانية، بالإضافة إلى عودة التوترات الطائفية في الهند، وهو ما يُمكن النظر إليه على أنه محاولة من طالبان لإيجاد أذرع إقليمية جديدة لها، تخدم توجهات الحركة من جانب، وتُمثل أداة ضغط على خصومها ومنافسيها وعلى أصدقائها من جانب آخر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الضغوط الناتجة عن الموقف الأمريكي:</strong><strong> </strong>بالرغم من التحركات الإقليمية المكثفة للانفتاح على حركة طالبان، فإن هذه التحركات تظل محكومة بقيود وحسابات الموقف الغربي، والأمريكي على وجه التحديد؛ حيث سيظل العامل الأمريكي مهماً في حصول طالبان على الاعتراف الدولي؛ فالكثير من الدول تنتظر إعلان واشنطن اعترافها الصريح بالحركة من أجل أن تحذو حذوها. وهكذا يُحتمل أن تستمر الهند في تحسس خطواتها تجاه طالبان، وعدم المسارعة في تطوير العلاقات معها لحين استجلاء أبعاد الموقف الأمريكي من الحركة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي الختام، يمكن القول إن التوجه الهندي نحو الانفتاح على حركة طالبان، يأتي في ضوء النظر إلى طالبان باعتبارها "سلطة الأمر الواقع"، فضلاً عن الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية للهند، وهي الحسابات التي تدفع الهند إلى تبني نهج "براجماتي" في التعامل مع طالبان. ولا يمكن إغفال أن هذا النهج سيحتم على نيودلهي التريث في مسار علاقاتها بحركة طالبان، وخصوصاً مع عدم اعتراف الولايات المتحدة بسلطة الحركة، ناهيك عن أن الوضع لم يستقر حتى الوقت الراهن داخل أفغانستان في ظل التهديدات الإرهابية، وكذلك إخفاق طالبان في التكريس لسياسات الدمج المجتمعي والسياسي اللازمة لتحقيق الاستقرار الداخلي.</strong><strong></strong></p>

      

أبعاد الانفتاح الهندي على حركة طالبان