إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

في تحول ملحوظ بين الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين؛ حيث مالت تلك الفئة السكانية لصالح بايدن في انتخابات عام 2020؛ يتقدم المرشح الجمهوري دونالد ترامب على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في مقدار الدعم الذي تلقاه في استطلاعات الرأي المختلفة من جانب الناخبين العرب؛ حيث حصل ترامب على دعم 45% من الناخبين العرب. وحصلت هاريس على دعم 43% في استطلاع "عرب نيوز–يوجوف" خلال الفترة من 26 سبتمبر حتى الأول من أكتوبر، بينما حاز على دعم 42% من الناخبين العرب، وحازت هاريس على دعم 41%؛ وذلك في استطلاع رأي "المعهد العربي" الذي أجري خلال شهر أكتوبر الجاري. ويُولي الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب اهتماماً كبيراً لجذب الفئات الانتخابية المختلفة، ومنهم الناخبون من أصول مسلمة وعربية؛ حيث يدرك أنه يحتاج إلى أصوات الناخبين داخل الولايات المتأرجحة، التي ستكون قادرة على قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وذلك على غرار ولاية ميشيجان التي تضم مئات الآلاف من الناخبين العرب من أصل ما يصل إلى 6 ملايين ناخب، والتي هَزم فيها ترامب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في عام 2016 بفارق 10 آلاف صوت، وخسرها بفارق 100 ألف صوت في انتخابات عام 2020 لصالح الرئيس الأمريكي جو بايدن.تحركات ترامبتتبنى حملة ترامب مجموعة من الإجراءات والخطوات التي ترمي إلى جذب الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة. وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه الخطوات:1– استغلال ملف الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة: يستغل الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترامب ملفات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الوسط، لا سيَّما ما يرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفشل إدارة الرئيس جو بايدن في إنهائها، للحديث عن إخفاقات إدارة بايدن–هاريس من جهة، ولتأكيد قدرته على إنهاء هذه الحرب فور وصوله إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض؛ حيث أكد أن الجيش الإسرائيلي سيكون عليه "إنهاء الأمر بسرعة" في غزة، وهو أمر يلاقي صدى واسعاً لدى الناخبين من أصول عربية ومسلمة ممن يهتمون بملف الحرب على قطاع غزة.2– الترويج لفكرة تمسكه بقيم الأسرة المحافظة: يهتم الناخبون من أصول عربية ومسلمة بقضايا التماسك الأسري، ويرفضون أفكار المثلية الجنسية والتحولات الجنسية، وهو الأمر الذي يتلاقون فيه مع توجهات الرئيس السابق ترامب، الذي يؤكد رفضه أفكار المثلية والشذوذ الجنسي، فضلاً عن رفضه عمليات تغيير النوع الاجتماعي التي يُسمَح بإجرائها للمراهقين في الولايات المتحدة، على الرغم من أن فترة المراهقة هي الفترة التي تتبدل فيها أفكار وتوجهات الأفراد أكثر من مرة، ومن ثم يكون من الصعب ترك الأمر لمراهقين للتدخل الطبي والجراحي في أجسامهم في تلك الفترة.3– الحديث عن حفيده الذي ينتمي لأصول عربية: على الرغم من الخطابات التي استخدمها ترامب سابقاً والتي أظهرت تحيزاً واضحاً ضد العرب والمسلمين على مدار السنوات الماضية، فضلاً عن الإجراءات التنفيذية التي وقَّع عليها في عام 2017، لمنع مواطني بعض الدول المسلمة والعربية من دخول الولايات المتحدة، وتحديداً "العراق وسوريا وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن" لمدة ثلاثة أشهر؛ فإن من الملاحظ أن ترامب خلال الآونة الأخيرة يستخدم خطاباً أكثر ليناً ولطفاً تجاه العرب والمسلمين، موضحاً أنهم "أذكياء وطيبون"، ومعرباً عن سعادته بأن حفيده المنتظر من ابنته تيفاني ترامب، سيكون من أصول عربية.4– دعوة زعماء المسلمين والعرب للأحداث الانتخابية: خلال الأحداث الانتخابية التي نفذتها حملة ترامب في ولاية ميشيجان، قام ترامب بدعوة بعض الشخصيات الشهيرة المسلمة والعربية الموجودة في الولاية، ومن بينهم الإمام بلال الزهيري؛ حيث اعتلوا المنصة معه، وقال الزهيري إن ترامب هو "مرشح السلام"، مشيراً إلى أن ترامب يدعم تحقيق السلام والاستقرار سواء في أوكرانيا أو داخل منطقة الشرق الأوسط، فيما أوضح ترامب أن الناخبين من أصول عربية في مدينة ديربورن الواقعة في ولاية ميشيجان، قادرون على "قلب الانتخابات في اتجاه أو آخر"، ووصف القادة الموجودين معه على المسرح بأنهم "القادة البارزون للمجتمع المسلم".5– الربط بين الجمهوريين الداعمين لهاريس والحروب الأمريكية بالشرق الأوسط: حرص الرئيس السابق على إظهار امتعاضه من بعض الشخصيات الجمهورية التي انضمت إلى هاريس في حملتها، وعلى رأسهم النائبة الجمهورية السابقة ليز تشيني من ولاية وايومنج، مشيراً إلى أصولها العائلية، باعتبار أن والدها هو ديك تشيني الذي دعم هاريس أيضاً؛ نائب الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الابن؛ حيث كان لوالدها دور كبير في إقحام واشنطن في الحروب داخل منطقة الشرق الأوسط، سواء في العراق أو داخل أفغانستان، وهي حروب استمرت لسنوات طويلة، وتسببت في تكبيد واشنطن خسائر مالية، وخسائر في الأرواح، في إشارة واضحة للناخبين العرب إلى أن المقربين من هاريس هم من "صقور الحرب"؛ ما يعني أن سياستها في المنطقة ستدعم استمرار الحرب، سواء داخل غزة أو في لبنان، وربما ستتوسع إلى دول أخرى في المنطقة. وكتب عبر منصته "تروث سوشيال" منشوراً طويلاً، تضمن: "إذا حصلت كامالا على أربع سنوات أخرى، فإن الشرق الأوسط سوف يقضي العقود الأربعة القادمة في الاشتعال".تحركات مضادةبالرغم من مساعي ترامب لجذب الناخبين المسلمين والعرب، فإن تحركاته تجابهها تحركات مضادة من جانب نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1– مساعي هاريس لتقويض اتهامات ترامب لها: يقوم الديمقراطيون على الجانب الآخر بمحاولات مختلفة لجذب الناخبين من أصول عربية ومسلمة، ومن هذه المحاولات تأكيد رغبة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ودعمها تطبيق "حل الدولتين"، واستعراض ملامح الدعم الاقتصادي والصحي والمناخي الذي تم منحه إلى جميع أفراد المجتمع الأمريكي، ومنهم الأمريكيون العرب والمسلمون، والترويج لدفاعها عن حقوق الإجهاض.لكن هذا الحديث، وخاصةً ما يتعلق بإنهاء الحرب في قطاع غزة غير مُجْدٍ بالنسبة إلى الناخبين، لا سيَّما أن إدارة بايدن لم تتوقف عن إرسال شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، كما أنها أعربت في جميع المناسبات عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ولم تضغط على تل أبيب بالصورة الكافية لإنهاء هذه الحرب، وهو ما أوضحته مجموعة من القادة العرب والمسلمين خلال اجتماعهم مع هاريس في فلينت بولاية ميشيجان في بداية أكتوبر الجاري.2– استغلال شخصيات سياسية ديمقراطية ذات شعبية: يستغل الديمقراطيون شخصيات ديمقراطية ذات شعبية واسعة، على غرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي ينتمي إلى عائلة ذات أصول مسلمة في الأساس، لمخاطبة الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة، موضحاً أن الناخبين العرب والمسلمين لا ينبغي لهم وضع ثقتهم بشخص مثل الرئيس السابق ترامب، الذي سبق أن فرض حظراً على سفرهم إلى الولايات المتحدة، والذي يستخدم لغة خطاب تحاول ترسيخ وجود فارق بين المواطنين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة وبين بقية المواطنين الأمريكيين؛ لأن الجميع في النهاية مواطنون أمريكيون لا فارق بينهم.3– محاولة جذب الجمهوريين المترددين والكارهين لترامب: يستخدم الديمقراطيون الشخصيات الجمهورية الشهيرة الرافضة لترامب، لاجتذاب الناخبين الجمهوريين الكارهين لترامب، أو أولئك المترددين في حسم موقفهم؛ لذلك لجأت حملة هاريس إلى النائبة السابقة ليز تشيني التي ظهرت مع هاريس في ثلاث ولايات متأرجحة، مؤكدة أن هاريس شخص يحترم الدستور الأمريكي والقانون، وأنها "يمكن أن تكون قدوة لأطفال المجتمع الأمريكي"، محذرة الناخبين من تكرار سيناريو السادس من يناير 2021 إذا فاز ترامب من جديد، وأن وجوده في البيت الأبيض سيعزز "انعزالية الولايات المتحدة الأمريكية عن بقية العالم". وبالرغم من أن هذه الخطوة تركز على جذب الناخبين بشكل كلي، فإنها تعد تنبيهاً للناخبين العرب والمسلمين إلى أن الاصطفاف بجانب ترامب قد يساعد على تقويض الديمقراطية الأمريكية.موقف واضحختاماً، يمكن القول إن تقييم مستوى نجاح ترامب في جذب أصوات الناخبين الأمريكيين المسلمين أو من أصول عربية، لن يتأتى إلا بعد انتهاء موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستعراض معدلات التصويت النهائية لكل مرشح، لكن في المجمل تشير تعليقات الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة التي ترصدها مقالات الرأي الأمريكية، واستطلاعات الرأي إلى عدم شعورهم بأن إدارة هاريس ستختلف كثيراً عن إدارة الرئيس جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بملفات السياسة الخارجية. ومن ثم، فإن الميل الأكبر سيكون لصالح ترامب الذي يميل في تصريحاته إلى إنهاء الحروب المستمرة مقارنةً بهاريس التي لا تُظهِر موقفاً حاسماً بهذا الشأن؛ علماً بأن ترامب نفسه يدعم إسرائيل، ويرى أن من حقها "الدفاع عن نفسها".

ملامح استراتيجية ترامب للفوز بأصوات المسلمين الأمريكيين