ميرفت زكريا


        
<p>على الرغم من مسارعة إيران إلى محاولة احتواء الأزمة التي فرضتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي"، في 7 نوفمبر 2021، حيث أوفدت إلى بغداد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري "إسماعيل قاآني"، وأصدرت وزارة الخارجية بيان إدانة ادّعت فيه أنها تدعم أمن واستقرار العراق؛ إلا أن غالبية المؤشرات تكشف عن أن المليشيات المسلحة التابعة لإيران في بغداد هي التي تقف وراء هذا الحادث الذي تم عن طريق استهداف مقر إقامة "الكاظمي" في المنطقة الخضراء ببغداد عن طريق طائرة مسيرة. وقد بدأت ملابسات محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" تتضح تدريجياً، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن جماعة أو اثنتين محسوبتين على إيران هما المسؤولتان عن العملية. ونوهت تلك التقارير إلى أنه تم تحديد ثلاثة أشخاص قد يكونون هم من نفذوا تلك العملية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اعتبارات عديدة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي كل الأحوال، فإن توجيه اتهامات مباشرة إلى إيران بالمسؤولية عن محاولة الاغتيال يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- استياء المليشيات من دور "الكاظمي" في الانتخابات: </strong>ترجع محاولة اغتيال "الكاظمي" من قبل الجماعات المسلحة التابعة لطهران بالأساس إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر 2021، والتي جاءت في غير صالح طهران؛ حيث كشفت النتائج الصادرة عن المفوضية العليا للانتخابات عن حصول "التيار الصدري" على 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً، وحصول تحالف "تقدم" بزعامة "محمد الحلبوسي" على 41 مقعداً، كما جاء تحالف "دولة القانون" بزعامة "نوري المالكي" في المركز الثالث بعد حصوله على 37 مقعداً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما عن الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد حصل على 32 مقعداً، وحصل تحالف "عزم" بزعامة "خميس الخنجر" على 20 مقعداً، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 15 مقعداً، وحل تحالف "فتح" المدعوم من إيران في المركز الأخير بحصوله على 14 مقعداً. ومن هنا، تشير هذه النتائج إلى نوع من التصويت العقابي من قبل الناخبين العراقيين لطهران وحلفائها، ورفض إعادة تمثيلهم بنسبة كبيرة سواء في الحكومة القادمة أو مجلس النواب، وهو الأمر الذي تجلى بصورة كبيرة في احتجاجات عام 2019، فضلاً عن قرار المفوضية العليا للانتخابات بعدم تضمين قوات الحشد الشعبي في التصويت الخاص بالأجهزة العسكرية. ومن الوارد أن يكون تورط المليشيات في محاولة اغتيال "الكاظمي" لاستيائها من دوره المحوري خلال العملية الانتخابية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- دعم الاحتجاجات المتصاعدة ضد الحكومة العراقية:</strong> جاءت محاولة اغتيال "مصطفى الكاظمي" بالتوازي مع اندلاع تظاهرات قوية في العراق من قبل الجماعات السياسية الموالية لإيران اعتراضاً على معطيات الاستحقاقات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر الماضي، الأمر الذي أدى لمقتل اثنين من فصائل الحشد الشعبي خلال الاشتباك مع قوة حماية المنطقة الخضراء، وتحول مجلس عزائهما إلى منصة سياسية توعّد خلالها أمينُ عام "عصائب جماعة أهل الحق" قيس الخزعلي، رئيسَ الوزراء العراقي، بقوله: "يا كاظمي.. سنثأر لدماء رفاقنا". وعليه، يكشف ذلك عن رغبة إيران في تثبيت دور القوى الموالية لها في العراق، بغرض احتواء المطالب الداعية إلى حل "الحشد الولائي" التابع لإيران.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعلى الناحية الأخرى، ترغب إيران في تعزيز نفوذها في العراق خلال الفترة القادمة في مواجهة التيار الصدري الذي يُنادي باتّباع سياسة خارجية متوازنة قائمة على مبدأ "عدم التدخل في الشؤون العراقية"، ولا سيما فيما يتعلق بتصفية الحسابات الإقليمية على الأراضي العراقية. علاوة على ذلك يرغب رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" في الحد من النفوذ الإيراني في مقابل تطوير العلاقات العراقية-العربية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- استمرار حالة الارتباك في السياسة الإيرانية:</strong> تعكس محاولة اغتيال "الكاظمي" من قبل الجماعات التابعة لإيران في العراق حالة التخبط التي تعيشها السياسة الخارجية الإيرانية، ولا سيما في ظل تعثر محادثات فيينا، التي لا يُوحي قرب استئنافها في 29 نوفمبر الجاري باحتمال الوصول إلى صفقة، واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية التي أدت لتدهور مستوى معيشة المواطن الإيراني وتصاعد الاحتجاجات. ورغم توجهات السياسة الخارجية لحكومة "إبراهيم رئيسي" الرامية إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار، والخبرات التي يحظى بها وزير خارجيته "حسين أمير عبداللهيان" في هذا الإطار؛ إلا أن الملاحظ أن النفوذ الإيراني يتراجع في المنطقة بشكل عام؛ حيث تورط الحليف الأقوى لإيران (حزب الله اللبناني) في عددٍ من الأزمات، التي يتمثل أبرزها في انفجار ميناء بيروت عام 2020، ومشاركة أعضائه في الاشتباكات المسلحة التي جرت في 14 أكتوبر الماضي، والتي اندلعت خلال الاحتجاجات ضد "طارق بيطار" القاضي الذي يحقق في قضية مرفأ بيروت، الأمر الذي دفع المواطنين في لبنان إلى دفع أوساط شعبية وسياسية لبنانية إلى المطالبة بالحد من النفوذ الإيراني، خشية اندلاع حرب أهلية جديدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعادت حركة طالبان (العدو التقليدي لإيران) إلى صدارة الحكم لأفغانستان مرة أخرى، الأمر الذي يكشف عن مخاوف متصاعدة بشأن مصير الشيعة الأفغان الذين كانوا أهدافاً لهجمات تنظيم داعش الذي انتقل محور نشاطه من سوريا والعراق إلى أفغانستان، فضلاً عن تصاعد وتيرة التهديدات التي باتت موجودة على الحدود الإيرانية-الأفغانية. علاوة على ذلك، توترت العلاقات بين إيران وأذربيجان في مطلع أكتوبر الماضي، على خلفية فرض حكومة "إلهام علييف" تعريفات جمركية مشددة على الشاحنات التي تنقل الوقود الإيراني إلى مدينة ستيبانكيرت عاصمة إقليم ناجورني قره باغ المدعومة من أرمينيا، الأمر الذي حرم إيران من أموال هي في أشد الحاجة إليها في ظل استمرار فرض العقوبات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- توسيع هامش مناورة طهران على المستوى الدولي: </strong>رغم تحديد إيران لموعد استئناف المحادثات النووية مع مجموعة (4+1) بشكل مباشر والولايات المتحدة بشكل غير مباشر في 29 نوفمبر الجاري؛ إلا أن التأخر في العودة إلى مفاوضات فيينا تسبب في حالة من الاستياء بين أصدقاء إيران على المستوى الدولي، ولا سيما روسيا والصين، وهو الأمر الذي تمثل في إقدام الممثل الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا "ميخائيل أوليانوف"، في 23 أكتوبر الماضي، على طرح سؤال عن معنى كلمة "قريباً" التي يشير إليها المسؤولون الإيرانيون عند سؤالهم عن موعد استئناف المفاوضات. وعلى الناحية الأخرى، أكد مسؤولون في الحكومة الإيرانية السابقة بقيادة "حسن روحاني"، أنه على الرغم من استمرار الصين في شرائها غير المباشر للنفط الإيراني، إلا أنها لن تكون قادرة على زيادة التجارة والاستثمار دون أن تصدق إيران على التشريعات المتعلقة باتفاقية مجموعة العمل المالي هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب "فاتف".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لذا، تأتي محاولة حلفاء إيران الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" على خلفية رغبة طهران في إعادة ترتيب الأوراق الخاصة بها قبيل استئناف محادثات فيينا، وتصعيد موقفها الإقليمي للضغط على الولايات المتحدة عن طريق الإضرار بمصالحها في المنطقة، ولا سيما أن "الكاظمي" يُعتبر من حلفاء واشنطن في بغداد، ومن الراغبين في اتّباع سياسة خارجية متوازنة تضمن مصالح الولايات المتحدة، بل والتقارب مع بعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية ومصر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ملفات متشابكة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، يمكن القول إنه على عكس الحُجة التي تروج لها الحكومة الإيرانية الجديدة بقيادة "إبراهيم رئيسي" بأن تحسين علاقاتها بدول المنطقة سيقوي موقفها في مواجهة واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ولا سيما فيما يتعلق بالقضية النووية؛ إلا أن الواضح أن طهران لن تستطيع تطوير علاقاتها مع دول جوارها دون حل مشاكلها مع القوى الدولية، لا سيما في ظل التشابك القوي بين الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانب القوى المعنية بأمن واستقرار المنطقة.</strong><strong></strong></p>

      

لماذا تُتهم إيران في حادثة محاولة اغتيال "الكاظمي"؟