د.إيمان أحمد عبد الحليم


        
<p><strong>تحظى الحرب الأوكرانية باهتمام عالمي واسع، خاصةً في ظل تداعياتها المتباينة على النظام الدولي علاوةً على تأثيراتها المحتملة على النظام الروسي مع فرض حزم واسعة من العقوبات الغربية وما يمكن أن يترتب على ذلك من ارتدادات سلبية على الداخل الروسي، وفي ضوء هذا فقد اهتمت عدة مواقع بنشر تقاريرها حول خسائر روسيا بسبب الحرب الأوكرانية؛ حيث نشر موقع "فايننشال تايمز" تقريراً بعنوان "روسيا تقف مرة أخرى خلف ستار حديدي"، في 7 مارس 2022، ونشر موقع "فورين أفيرز" تقريراً بعنوان "الأزمة الأوكرانية تذكِّر الولايات المتحدة وأوروبا بأن لهما هدفاً مشتركاً"، في</strong> <strong>7 مارس 2022، وتقريراً آخر بعنوان "الغزو الروسي لأوكرانيا يتحول إلى (كارثة استراتيجية) لبوتين" في 6 مارس 2022، بالإضافة إلى تقرير بعنوان "غزو أوكرانيا يسبب أزمة في البحر"، في 7 مارس 2022. ويمكن تناول أبرز ما جاء في هذه التقارير على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خسائر موسكو</span></strong></p>



<p><strong>تعرضت روسيا لخسائر متنوعة من جراء تدخُّلها العسكري في أوكرانيا، وهي الخسائر التي يمكن استعراضها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1– الاعتراف بخسائر بشرية كبيرة في القتال:</strong></a> اعترفت الحكومة الروسية بمقتل ما يقرب من 500 جندي خلال الأيام الأولى القليلة للحرب. ومن المُرجَّح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، وخصوصاً بعد أن تحدَّث السيناتور الروسي "ليودميلا ناروسوفا" عن مقتل سرب روسي كامل قوامه 100 جندي لم يَنْجُ منهم سوى أربعة. ومن ذلك يتوقع التقرير أن يحمل المستقبل المزيد من الخسائر الروسية البشرية على أرض الميدان.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>2– تنامي الخسائر الاقتصادية الروسية:</strong></a> بسبب كثافة العقوبات الغربية، فإن الضرر الاقتصادي الذي يلحق بروسيا نتيجة حرب أوكرانيا سيكون سريعاً للغاية؛ ما يُطيح بالمكاسب الاقتصادية التي كانت قد حققتها الدولة على مدى الأعوام العشرين الماضية خلال أسابيع قليلة، ولا سيما أن تجميد أصول البنك المركزي الروسي من شأنه التسبب في انهيار البنوك التجارية وسلاسل التوريد بالداخل خلال وقت قصير، وفق ما يذكر التقرير.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>3– تضرُّر الطبقة الوسطى الداعمة لـ"بوتين":</strong></a> وفقاً للتقرير، اعتادت الطبقة الوسطى الحضرية في روسيا استخدام الماركات العالمية، والغربية تحديداً، مع ولوجها السلِس في أوروبا، وهو ما تأثَّر سلباً بفعل العقوبات الغربية، لتتأثر مكاسب الطبقة الأوليجاركية التي عادةً ما دعمت "بوتين" للحفاظ على ثرواتهم الخاصة.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>4– استمرار عزلة روسيا عن المجتمع الدولي:</strong></a> بجانب ما سبق، تأثرت صِلات روسيا بالعالم الخارجي؛ حيث أضحت أكثر عزلة مما كانت عليه حتى إبان الحرب الباردة؛ عندما كان من الممكن –على الأقل– السفر إلى أوروبا الشرقية والتنافس مع الفرق السوفييتية والمُشارَكة في الألعاب الأوليمبية. ولكن الآن خرجت روسيا من المسابقات الرياضية الدولية، وألغت شركة "إيروفلوت" (Aeroflot) الرحلات الجوية الدولية، باستثناء الرحلات إلى بيلاروسيا المجاورة. ومن المُرجَّح أن تستمر هذه العزلة ما دامت الحرب مستمرة أو ما دامت روسيا تحتل أوكرانيا، وفق توقعات التقرير.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>5– تعميق العزلة مع حظر حركة السفن</strong></a>: أشار التقرير إلى أن المملكة المتحدة حظرت السفن الروسية من دخول موانئها، وأن الاتحاد الأوروبي على وشك أن يفعل الشيء نفسه، بغلق موانئه أمام السفن التي تملكها أو تديرها شركات روسية أو تبحر تحت العلم الروسي، كما فعلت كندا بالفعل. وأعلنت "شركة البحر المتوسط للشحن" أكبر شركة شحن في العالم –ومقرها سويسرا– عن تعليقها حركة جميع الحاويات من روسيا وإليها. وهذا يعني أن روسيا ستُعزل عن معظم العالم، ولن تكون قادرة على إرسال واستقبال البضائع إلا عبر شركات الشحن الآسيوية في المقام الأول.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تضامن غربي</span></strong></p>



<p><strong>على الجانب الآخر، عمل الغرب على توظيف التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، واستفاد منه جماعياً على عدة مستويات؛ منها:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1– تذكير طرفي الأطلسي بأهدافهما المشتركة:</strong></a> وفقاً للتقرير، ساعدت العملية الروسية في أوكرانيا على تذكير الولايات المتحدة وأوروبا بأهدافهما العالمية المشتركة، وبلورة هذه الأهداف مجدداً في إطار إعلاء القيم الديمقراطية، التي مثَّل التدخل الروسي تحدياً لها؛ ما كان حافزاً لمظاهر عدة من التضامن بين القوى الغربية والدولية. وجاء في إطار ذلك موافقة ألمانيا على زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بعد معارضة هذا الهدف لسنوات، وتعهُّد اليابان بقبول اللاجئين الأوكرانيين رغم عدم ارتياحها التقليدي تجاه الغرباء، وتحرُّك بريطانيا أخيراً لإخضاع ثروات المغتربين من الأوليجاركية الروسية لرقابة جادة. وبالطبع، عملت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب لفرض عقوبات متصاعدة على روسيا.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>2– تحفيز الغرب على حماية قواعد النظام الدولي:</strong></a> وفقاً للتقرير، كان التدخُّل سبباً كذلك لتحفيز الغرب، وبشكل فعَّال، على الدفاع عن قواعد وقيم ومؤسَّسات نظام الحرب العالمية الثانية، التي عرَّف "بوتين" نفسه بأنه معارض لها؛ ذلك أن التدخُّل الروسي مثَّل تحدياً لنظام الأمم المتحدة التي يقوم ميثاقها على احترام السيادة، وتحدياً لأوروبا التي يسعى "بوتين" إلى إعادة ترسيم حدودها، وتهديداً لحكم القانون. وكل هذه العوامل ربما كانت السبب في التفاعل غير المتوقع مع دعوة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى عقد "قمة من أجل الديمقراطية" ضد التحديات التي يمثلها الاستبداد.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>3– اتجاه "الناتو" نحو تعزيز جناحه الشرقي:</strong></a> لفت التقرير إلى أن تدخل روسيا في أوكرانيا جعل مخاوف "بوتين" الخاصة بأن "الناتو" أصبح أقوى أمراً واقعاً؛ حيث دفع الحلف إلى الاتجاه نحو تقوية جناحه الشرقي؛ وذلك ونظراً إلى أن تدخل "بوتين" في دولة مستقلة ذات سيادة لم يكن متخيلاً من قبل؛ ما يجعل أمر التدخل في دولة عضو في "الناتو" أمراً غير مستبعد على نحو تام. ومع توقع تحول مركز الأزمة مستقبلاً من أوكرانيا إلى دول البلطيق، وكذلك إلى بولندا والدول الأخرى التي ستشكل الحدود الجديدة للغرب في مواجهة روسيا، فسيمثل ذلك حافزاً للولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" على إرسال المزيد من القوات والمزيد من المعدات إلى تلك الدول الواقعة على خط المواجهة.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>4– التضامن لتوثيق "جرائم الحرب" المحتملة:</strong></a> لفت التقرير إلى أنه بجانب ما سبق، أطلقت إدارة "جو بايدن" حملة جديدة لتوثيق "جرائم الحرب" المحتملة التي ارتكبتها القوات الروسية التي دخلت أوكرانيا، ونجحت في إطار ذلك من تحقيق التوافق بين 45 دولة من أصل 57 دولة عضو في "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)" ضد روسيا وحليفتها بيلاروسيا، عندما تمت الموافقة، في 3 مارس، على خطط لإرسال فريق من خبراء المنظمة لتوثيق جرائم الحرب المحتملة. وهذا العدد الكبير يمثل توافقاً لم يسبقه مثيل؛ فعدد الدول التي دعمت إنشاء هذه الآلية بعد الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في بيلاروسيا في أغسطس عام 2020 كانت 17 دولة، ومثَّل ذلك حينها توافقاً كان هو الأكبر، ومن ثم فإن الانتقال من 17 إلى 45 يوضح مدى انعزال روسيا وبيلاروسيا على المسرح الدولي، وفق ما يرى التقرير.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مستقبل النظام الروسي</span></strong></p>



<p><strong>تناول التقرير التوقعات الخاصة بمستقبل النظام الروسي في ظل التحديات الداخلية التي يواجهها؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1– شكوك في مدى الدعم الداخلي للحرب:</strong></a> بالرغم من الخسائر التي تلحق بروسيا نتيجة الحرب الأوكرانية، فإن استطلاعات الرأي الروسية تُظهر مستويات عالية من التأييد للحرب. ولكن في ظل مناخ القمع، من غير المرجح أن تكون هذه الاستطلاعات موثوقة، وإن كانت الأدلة القصصية تشير إلى أن رواية "بوتين" عن الصراع لا يزال الكثيرون من الروس يصدقونها، وخصوصاً مع تحكم التلفزيون الحكومي في رواية الحرب حول أوكرانيا، وفق ما يذكر التقرير.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>2– مخاوف "بوتين" من احتمالات فقد الدعم المحلي:</strong></a> وفقاً للتقرير، فإنه توازياً مع السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام، عمد النظام في روسيا إلى حظر الوصول إلى وسائل الإعلام الأجنبية، مع حظر الوصول إلى مواقع التواصل مثل "فيسبوك"، مع قمع أي تحركات للاعتراض على الحرب، وهو ما يُظهر عدم ارتياح "بوتين" بشأن وضعه الداخلي، لا سيما مع قلق الأثرياء والطبقة الوسطى الحضرية كذلك من خسارة مكتسباتها بسبب الحرب، وعزلة روسيا على الصعيد الخارجي؛ حيث يعتمد الدعم الرئيسي الذي يحظى به "بوتين" الآن على قاعدتين أساسيتين، هما: دعم الروس العاديين خارج المدن الكبرى، ودائرة داخلية ضيقة من الموالين.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>3– استبعاد انهيار النظام في المدى القصير</strong></a>: أشار التقرير إلى أنه بالرغم من الخسائر الواسعة التي تلحق بروسيا بسبب قرار الرئيس "بوتين" التدخل في أوكرانيا، لا يزال معظم الخبراء يستبعدون سقوط النظام الروسي، على الأقل في المدى القصير؛ لاستبعاد الإطاحة بـ"بوتين" بانقلاب في القصر، ولصعوبات إزاحة النخبة الحالية بالاحتجاجات الجماهيرية. ومع الإشارة إلى تعرض المتظاهرين والمعارضين لخطر الضرب والسجن وفقدان وظائفهم، يُظهر سحق حركة الاحتجاج في بيلاروسيا العام الماضي أن القمع ينجح في كثير من الأحيان، إذا كان قاسياً بما فيه الكفاية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، لفت التقرير إلى أن "بوتين" محاط بالموالين الذين يشاركونه وجهة نظره القومية والتآمرية، الذين ترتبط مصائرهم بالزعيم ارتباطاً وثيقاً. حتى لو كان البعض في الدائرة الداخلية لديه شكوك في قرارات الرئيس، فإن اتخاذ خطوات ضد "بوتين" سيظل أمراً محفوفاً بالمخاطر؛ فلطالما اعتنى الزعيم الروسي بحراسه الشخصيين، على حد زعم التقرير.</strong></p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المصادر:</span></strong></p>



<p></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p> James Traub, There Is a West, <strong>Foreign Policy,</strong> March 7, 2022, Accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/07/there-is-a-west/">https://foreignpolicy.com/2022/03/07/there–is–a–west</a></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>Robbie Gramer, Russia’s Ukraine Invasion Devolving Into ‘Strategic Catastrophe’ for Putin: U.S. Envoy, <strong>Foreign Policy,</strong> March 6, 2022, Accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/06/putin-invasion-russia-war-crimes-investigation-ukraine-osce/">https://foreignpolicy.com/2022/03/06/putin–invasion–russia–war–crimes–investigation–ukraine–osce/</a></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>Elisabeth Braw, The Invasion of Ukraine Is Causing Crisis at Sea, <strong>Foreign Policy,</strong> March 7, 2022, Accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/07/ukraine-shipping-supply-war/">https://foreignpolicy.com/2022/03/07/ukraine–shipping–supply–war/</a></p>

      

هل تتحول الحرب الأوكرانية إلى كارثة استراتيجية لموسكو؟