عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية حلقة نقاشية بعنوان "سياسات أوتاوا: التغيرات المرتقبة في السياسة الداخلية والخارجية لكندا"، استضاف خلالها د. صامويل راماني مؤسس شركة بانجيا للاستشارات ومحاضر العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد والزميل المشارك بمؤسسة الخدمات الملكية في بريطانيا، متحدثاً رئيسياً.

ملامح الاضطرابات

قبل إعلان رئيس الوزراء الكندي استقالته من منصبه، شهدت كندا عدة اضطرابات سياسية تتمثل في التالي:

1– انهيار تحالف الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد:

انهار التحالف بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد في سبتمبر 2024، قبل تسعة أشهر من انتهاء صلاحيته المقرر في يونيو 2025. وانتقد جاجميت سينج زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، ترودو علناً لفشله في دعم أجندة الحزب الديمقراطي الجديد التقدمية بشكل كامل، واتهمه بالتوافق مع السياسات الاقتصادية المحافِظة.

ذكر المتحدث الرئيسي أن الحزب الليبرالي، بقيادة رئيس الوزراء جاستن ترودو، قد دخل في تلك الاتفاقية مع الحزب الديمقراطي الجديد (NDP) لدعم الحكم؛ حيث احتل الليبراليون أغلبية المقاعد، لكنهم افتقروا إلى الأغلبية في مجلس العموم. وافق الحزب الديمقراطي الجديد على دعم الحكومة في التصويتات الرئيسية مقابل زيادة تمويل الرعاية الصحية ورعاية الأسنان، وخفض أسعار الأدوية، وإدخال ضريبة الكربون، وزيادة ضرائب مكاسب رأس المال للكنديين الأكثر ثراءً.

وبينما نفذ ترودو بعض هذه التدابير – مثل توسيع الإنفاق على الرعاية الصحية – فإنه فشل في تدابير أخرى، ولا سيما ضريبة الكربون وتنفيذ ضريبة الميراث. وقد أدت هذه النواقص إلى إجهاض التحالف؛ لذا هدد سينج باقتراح بسحب الثقة، الذي كان سيجبر ترودو على إجراء انتخابات مبكرة. ورداً على ذلك، استخدم ترودو تكتيكات المماطلة البرلمانية، ومنها التأجيل، لتأخير الاقتراح. أدت هذه الخطوة إلى توقف النشاط التشريعي، وترك كندا في حالة من الغموض السياسي، وتآكل الثقة العامة بالحكومة.

2– خسارة هائلة لليبراليين في الانتخابات الفرعية:

تكبد الليبراليون خسائر كبيرة في الانتخابات الفرعية؛ ما كشف بشكل أكبر عن تراجع شعبية الحزب؛ حيث خسر دائرة لاسال– إمارد– فردان (LaSalle—Émard—Verdun) لصالح كتلة كيبيك الانفصالية، وهي الدائرة التي احتلتها تاريخياً شخصيات ليبرالية بارزة، مثل رئيس الوزراء السابق بول مارتن. ورمزت هذه الخسائر إلى استياء متزايد من قيادة ترودو؛ حيث تضاءل الدعم لحكومته إلى نحو 23% على مستوى البلاد. وقد أكد هذا رغبة عامة ساحقة في التغيير السياسي، وزاد من ضبابية المستقبل السياسي للحزب الليبرالي.

3– حدوث بعض الاستقالات البارزة في حكومة ترودو:

تعمقت الأزمة السياسية في ديسمبر 2024 بسلسلة من الاستقالات البارزة من حكومة ترودو؛ حيث استقالت وزيرة المالية كريستيا فريلاند بعد أن أبلغها ترودو بخطط تستبدل بها مارك كارني محافظ بنك كندا السابق ومنافسها السياسي الرئيسي داخل الحزب. وسبق استقالةَ فريلاند رحيلُ شون فريزر وزير الإسكان، ووزير آخر واجه فضيحة تتعلق بمزاعم كاذبة بشأن التراث الأصلي. سلطت استقالة فريلاند الضوء على الخلافات الشخصية والسياسية مع ترودو، وخاصةً بشأن استجابة الحكومة لإدارة ترامب القادمة في الولايات المتحدة. وبينما فضَّل ترودو نهجاً تصالحياً، دعت فريلاند إلى مواقف أكثر عدوانيةً، ومنها التعريفات الجمركية الانتقامية. وكشفت سلسلة الاستقالات عن انقسامات عميقة داخل الحزب الليبرالي، وأضعفت قيادة ترودو بشكل أكبر.

4– ضعف الأداء الاقتصادي وسوء الإدارة المالية:

لقد تعثر الاقتصاد الكندي، الذي كان ذات يوم قصة نجاح عالمية، تحت قيادة ترودو؛ ففي أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، حظيت كندا بإشادة واسعة النطاق لمرونتها، مع ميزانيات متوازنة وأنظمة مصرفية قوية ونمو ثابت. ومع ذلك، كشف التعافي بعد الوباء عن نقاط ضعف اقتصادية.

فبين عامي 2020 و2024، بلغ متوسط معدل نمو كندا 1.1%، متخلفاً عن دول مجموعة السبع الأخرى مثل الولايات المتحدة، وارتفع التضخم، وخاصةً في الضروريات، مثل الغذاء والغاز؛ حيث بلغ التضخم الغذائي 8.5% سنوياً. وركدت الإنتاجية، وارتفعت معدلات الفقر، واعتمد ما يقرب من 1.5 مليون كندي على بنوك الطعام. بالإضافة إلى ذلك، أدى تحول ترودو إلى الإنفاق بالعجز المتوسع – وهو الأمر الذي أسفر عن أكبر عجز في تاريخ كندا – إلى زيادة القلق العام. أدى هذا المسار المالي، الذي تفاقم بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة التنافسية، إلى تنفير أصحاب الأعمال الصغيرة والكنديين من ذوي الدخل المنخفض والناخبين الشباب، وهي الدوائر الانتخابية الأساسية للحزب الليبرالي.

5– زيادة الاستقطاب حول عجز الميزانية في البلاد:

واجهت حكومة ترودو ردود فعل عنيفة؛ بسبب عجزها عن وضع استراتيجية مالية متماسكة. تجاوز عجز ميزانية 2024 البالغ 65 مليار دولار التوقعات، فزادت حدة الانتقادات من جانب زعماء المعارضة وأعضاء حزبه. أبرزت استقالة وزيرة المالية كريستيا فريلاند الانقسام الداخلي بشأن الإنفاق بالعجز؛ حيث أعرب بعض الليبراليين عن قلقهم بشأن المسار المالي غير المستدام. أصبحت هذه القضية محوراً مركزياً لزعيم حزب المحافظين بيير بواليفير، الذي استخدمها بفاعلية لتقويض مصداقية ترودو في الحوكمة الاقتصادية.

6– انتقادات حول إدارة ترودو لملف الهجرة:

بلغت مستويات الهجرة في كندا تحت حكم ترودو مستويات قياسية؛ حيث نما عدد السكان بنسبة 3% سنوياً، وهو معدل غير مسبوق. تمت زيادة حصص الهجرة إلى مليون سنوياً؛ ما أدى إلى إجهاد البنية التحتية العامة وأنظمة الرعاية الصحية وتوافر الإسكان. بحلول عام 2025، اضطر ترودو إلى التراجع عن مستويات الهجرة، بما في ذلك التخفيضات لصالح الطلاب الدوليين والعمال الأجانب المؤقتين واللاجئين. كان هذا التراجع في السياسة بمنزلة انحراف حاد عن خطابه السابق الذي احتفى بالتنوع والهجرة كقوة لكندا. كان يُنظر إلى هذا التحول على نطاق واسع على أنه اعتراف بفشل السياسة؛ ما أدى إلى تنفير كلٍّ من المؤيدين للهجرة وأولئك المعنيين بالتأثير الاجتماعي والاقتصادي للتدفق.

7– تراجع الثقة بأداء ترودو في الداخل الكندي:

لقد أضر تعامل ترودو مع احتجاجات سائقي الشاحنات المناهضة لفرض اللقاحات في عام 2022 بسمعته بشكل كبير. في البداية، انتُقد لكونه سلبياً للغاية، ثم اتخذ لاحقاً نهجاً متشدداً، واستدعى سلطات الطوارئ واعتقل المتظاهرين. أدى هذا إلى استقطاب الرأي العام بشكل أكبر؛ حيث اتهمه المنتقدون من اليسار بالقيادة الضعيفة، وأدان منتقدوه من اليمين أفعاله باعتبارها استبدادية. كان الحادث بمنزلة نقطة تحول في تقييمات تأييد ترودو، التي لم يتعافَ منها تماماً.

تداعيات محتملة

من المتوقع أن تشهد الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية، التي تتقاطع مع الأسابيع الأخيرة في ولاية ترودو، عدة تفاعلات جديدة بين الولايات المتحدة وكندا، وهي التفاعلات التي تتمثل في:

1– فرض تعريفات جمركية أمريكية على كندا:

أشار المتحدث الرئيسي إلى بعض التقارير الأولية التي أفادت بأن الرسوم الجمركية قد تدخل حيز التنفيذ بحلول الأول من فبراير؛ حيث تضم إدارة ترامب شخصيات مثل وزير الخزانة سكوت بيسيت ومستشار الأمن القومي مايك والتز، وكلاهما يدعم أجندة التعريفات الجمركية، كما يتفق وزير الخارجية ماركو روبيو – وهو من صقور المتشددين تجاه الصين – مع هذا الموقف. وفي هذا السياق، أشار المشاركون إلى أنه حتى إذا استهدفت التعريفات الصين في المقام الأول، فقد تمتد إلى حلفاء مثل كندا.

2– استهداف الشركات التي تدعم حقوق المثليين:

لقد أثارت أحكام اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي تتناول حقوق المثليين والمثليات وذوي الميل الجنسي المزدوج والمتحولين جنسياً وقضايا العمل، جدلاً كبيراً أثناء المفاوضات، ولكن في نهاية المطاف تم تأييدها. والآن مع احتمال تبني الجمهوريين في الكونجرس موقفاً أكثر حزماً من ترامب بشأن مثل هذه التدابير، فإن هذه الحماية تواجه تدقيقاً متجدداً. وقد تصبح الشركات التي تتماشى مع ممارسات العمل التقدمية، أو تتبنى سياسات التوظيف الشاملة، أهدافاً رئيسية في ظل تدابير التعريفات الجمركية المحتملة.

3– فرض كندا رسوماً جمركيةً مضادةً ضد واشنطن:

إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، فمن المرجح أن تفرض كندا تعريفات جمركية على أمريكا في قطاعات رئيسية. وقد يكون أحد الأهداف المحتملة هو صناعة السيارات. وإذا تم فرض تعريفة بنسبة 25%، فسوف يؤثر ذلك بشكل كبير على التجارة؛ حيث تستورد الولايات المتحدة ما قيمته نحو 34 مليار دولار من المركبات الآلية وقطع الغيار من كندا.

من شأن هذه الخطوة أن تعطل الممر الحيوي للسيارات بين وندسور–أونتاريو، وديترويت–ميشيجان؛ ما يؤثر على الصناعات على جانبي الحدود. ومن المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية الانتقامية من كندا إلى ارتفاع أسعار السيارات على كل من المستهلكين الأمريكيين والكنديين. وقد يتطور الموقف إلى حرب تجارية. إن نطاق هذه الرسوم الجمركية الكندية قد لا يقتصر على الصناعات التي تعاني من نزاعات تجارية قائمة مع واشنطن، وقد يتسع نطاقها إلى قطاعات أخرى، مثل الآلات والتصنيع والسلع المختلفة.

4– ارتدادات سلبية على قطاع الطاقة في الولايات المتحدة:

نما الاعتماد الأمريكي على النفط الكندي بسبب توسع خط أنابيب ترانس ماونتن. وقد حذر دوج فورد بالفعل من انقطاعات محتملة في إمدادات الكهرباء من نيويورك؛ ما يسلط الضوء على نقاط الضعف في العلاقات عبر الحدود في مجال الطاقة، كما توقع الخبير الاقتصادي باتريك دي هان أنه إذا فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 25% على النفط الكندي، فقد ترتفع أسعار الغاز في الولايات المتحدة بمقدار 25 إلى 75 سنتاً للجالون. ومن شأن مثل هذه الزيادة أن تؤثر بشدة على ولايات مثل ميشيجان وويسكونسن ومينيسوتا، وهي ساحات معركة رئيسية للسباق الرئاسي القادم وحاسمة للسيطرة على الكونجرس خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2026. وقد تتردد العواقب الاقتصادية إلى ما هو أبعد من مجرد تكاليف المستهلك؛ ما يؤثر على مشاعر الناخبين في هذه المناطق ذات الأهمية السياسية.

5– توجه كندا نحو الهندوباسيفيك لتنويع شركائها التجاريين:

تعمل كندا على تعزيز العلاقات التجارية مع الدول غير الغربية، لكن هذه الجهود تواجه الآن تحديات كبيرة. وفي حين تمكنت البلاد تقليدياً من الحفاظ على علاقات مستقرة نسبياً مع الصين على الرغم من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، فإن هذا النهج أصبح صعباً في السنوات الأخيرة، كما أنه من غير المرجح أن تكون الهند شريكاً تجارياً مثالياً في ظل الظروف الحالية بين الدولتين.

ونتيجةً لهذا، تُحوِّل كندا تركيزها نحو منطقة الهندوباسيفيك الأوسع باعتبارها بوابة تجارية رئيسية، مستفيدةً من الاتفاقيات في إطار اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. بالإضافة إلى ذلك، تسعى كندا إلى تنفيذ مبادرات تحرير التجارة مع أمريكا اللاتينية وأوروبا، وبشكل متزايد مع أفريقيا. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الأسواق عموماً على أنها تتمتع بإمكانات نمو أقل مقارنةً بمنطقة الهندوباسيفيك؛ ما يجعل المنطقة أولوية استراتيجية حاسمة لجهود كندا الرامية إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة.

آفاق انتخابية

من المتوقع أن تجري الانتخابات الفيدرالية المقبلة في كندا قبل الموعد المحدد، على الأرجح في ربيع عام 2025، وفي هذا السياق، حدد المتحدث الرئيسي بعض الاتجاهات المتوقعة كالتالي:

1– احتمالية فوز حزب المحافظين في الانتخابات

تشير بيانات استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب المحافظين، تحت قيادة بيير بواليفير، من المقرر أن يفوز بحكومة أغلبية، مع تقدم المحافظين في كل مقاطعة تقريباً باستثناء كيبيك. قد يؤدي هذا إلى تحول كبير في المشهد السياسي في كندا، مع احتمال هبوط الليبراليين إلى المركز الثالث أو حتى الرابع في تصنيفات الأحزاب. ومع ذلك، قد يساعد التغيير في القيادة الليبراليين في الحفاظ على مكانتهم كحزب المعارضة الرئيسي في الأمد القريب.

ينظر العديد من المحللين السياسيين إلى انتصار المحافظين على أنه أمر لا مفر منه تقريباً؛ نظراً إلى جاذبيتهم الواسعة ومكانتهم القوية في جميع أنحاء كندا. أصبح بواليفير زعيم المحافظين، شخصية رائدة في السياسة الكندية؛ حيث يدافع عن المحافظة المالية وخفض الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي. ويشير هذا المسار إلى أن الانتخابات المقبلة قد تجلب عصراً جديداً من الحكم المحافظ في كندا.

2– ضعف فرص المرشحين الليبراليين بالانتخابات:

إن المرشحين الثلاثة الرئيسيين في السباق الآن – وهم كارني وكريستيا فريلاند وكارينا جولد – يفتقرون إلى الشعبية التي قد تؤمِّن لهم الفوز في الانتخابات القادمة لعدة أسباب؛ أهمها أن مارك كارني، بخبرته الواسعة في السياسة الاقتصادية العالمية، وكمرشح قادر على استقرار الاقتصاد الكندي، يفتقر إلى الخبرة السياسية وإلى الكاريزما في حملته الانتخابية على أنها عوائق محتملة في انتخابات مشحونة للغاية.

أما فريلاند التي تشغل حالياً منصب نائب رئيس الوزراء، بدعم كبير داخل صفوف الليبراليين بسبب فترة ولايتها الطويلة في أدوار وزارية مختلفة، فإن ولاءها الطويل الأمد لترودو خلال فترة ولايته، وخاصةً فيما يتعلق بالقضايا المثيرة للجدل، مثل الهجرة والعلاقات الخارجية، قد يضر بجاذبيتها بين الناخبين الذين يسعون إلى الانفصال عن إرث ترودو. وتظل كارينا جولد – وهي وافدة جديدة نسبياً وزعيمة الحكومة الحالية في مجلس العموم – في المركز الثالث في سباق الزعامة. ورغم أنها شابة وما زالت تكتسب الخبرة، فإن فرص جولد في تأمين الزعامة تبدو ضئيلة، وقد لا تشكل تحدياً كبيراً لفريلاند أو كارني.

3– ترويج المحافظين لسياسات مختلفة عن ترودو:

من المرجح أن يروج المحافظون لسياسات مختلفة عن ترودو خلال السباق الانتخابي؛ حيث إن بواليفير من أشد المؤيدين للمحافظة المالية؛ حيث يؤكد أهمية خفض عجز الميزانية الفيدرالية، الذي يرى أنه يشكل عبئاً على النمو الاقتصادي. ويعتقد بواليفير أن تقليص العجز أمر ضروري للحد من التضخم وخفض أسعار الفائدة، التي بلغت حالياً 5.5%. وقد جعلت هذه المعدلات المرتفعة من الصعب على الكنديين الاستثمار في التقنيات الجديدة والإسكان والمشاريع التجارية. إن حكومة بواليفير سوف تستمر أيضاً في تعزيز التكنولوجيا الخضراء والاستثمارات في الطاقة المتجددة دون فرض ضريبة الكربون، وهو ما يشكل اختلافاً كبيراً في السياسة عن إدارة ترودو. وعلاوةً على ذلك، تعهد بواليفير بزيادة الإنفاق الدفاعي، ولكن التحدي لا يزال قائماً في التوفيق بين هذا وبين سياساته الرامية إلى خفض العجز؛ لأن تمويل هذه المبادرات قد يزيد من الضغوط على ميزانية كندا.

4– بروز الموقف من إسرائيل خلال السباق الانتخابي:

لقد كان بواليفير مؤيداً صريحاً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وخاصةً في سياق الصراع الدائر في غزة ولبنان. انتقد بواليفير إدارة ترودو لكونها متساهلة للغاية مع إسرائيل ومتعاطفة للغاية مع الحركات الفلسطينية، كما أدان حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ومن المتوقع أن ترفع حكومة بواليفير أي قيود متبقية على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، لا سيما إذا تصاعد الصراع مرة أخرى في غزة أو لبنان، وهو الموقف الأكثر توافقاً مع الشخصيات الأمريكية المحافِظة مثل دونالد ترامب وغيره من القادة الجمهوريين الذين يدعون إلى الدعم الثابت لإسرائيل.

5– تبني المحافظين سياسات أكثر تشدداً تجاه المهاجرين:

من المتوقع أن تتبنى حكومة بواليفير نهجاً أكثر تقييداً فيما يتعلق بسياسة الهجرة، وتدعو إلى خفض أهداف الهجرة في كندا. وفي حين كان بواليفير ذات يوم مؤيداً لسياسات الهجرة الأكثر ليبراليةً، فقد تطورت آراؤه استجابةً للمخاوف العامة المتزايدة بشأن تأثير الهجرة على الوظائف والخدمات الاجتماعية الكندية؛ فقد دعا إلى خفض أهداف الهجرة بنسبة تصل إلى 25%؛ ما قد يؤدي إلى خفض القبول السنوي إلى نحو 375 ألف مهاجر.

تحوُّلات مرتقبة

توقع المتحدث الرئيسي بعض التحولات المرتقبة في السياسة الداخلية والخارجية لكندا على النحو التالي:

1– تجاوز الانقسامات الداخلية حول السياسة الخارجية:

من المرجح تجاوز الانقسامات الحزبية الداخلية لتحقيق توافق حول السياسة الخارجية الكندية. وغالباً ما كانت السياسة الخارجية الكندية متوافقةً مع سياسة الولايات المتحدة، ولكنها أظهرت أيضاً اختلافات رئيسية، وخاصةً في الشرق الأوسط. وكثيراً ما تتحول هذه الاختلافات في السياسة الخارجية إلى نقاط اشتعال سياسية محلية، وخاصةً أثناء الانتخابات؛ حيث يروج الليبراليون عادةً لمزيد من الاستقلال عن النفوذ الأمريكي، في حين يفضل المحافظون تحالفاً أوثق. ومع تحول الديناميكيات العالمية، بما في ذلك المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والصراعات المحتملة في الشرق الأوسط، من المرجح أن تشكل هذه الانقسامات في السياسة الخارجية المناقشات السياسية الكندية؛ حيث يحاول الليبراليون جذب الناخبين الشباب والأقليات، المحبطين من السياسات السابقة، إلا أن المظالم الاقتصادية قد تحد من نجاحهم.

2– زيادة التقارب بين الحكومة المقبلة والرئيس ترامب:

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين كندا والولايات المتحدة، فمن المرجح أن يتميز نهج بواليفير، حال فوزه، بعلاقة أكثر توطداً مع الرئيس دونالد ترامب وحركة MAGA. لقد أقام بواليفير علاقات قوية مع حلفاء ترامب، واكتسب الاحترام بين الشخصيات السياسية اليمينية في الولايات المتحدة. وبينما يظل قومياً كندياً، فقد تحالف بواليفير مع رؤساء الوزراء المحافظين الذين يعارضون التعريفات الجمركية، والتعدي الأمريكي على السيادة الكندية. إن قدرته على تحقيق التوازن بين استقلاله السياسي عن ترامب والحفاظ على علاقة تعاونية مع الولايات المتحدة، قد تساعد في التخفيف من بعض المخاطر المحتملة المترتبة على علاقة أكثر مواجهةً مع جارة كندا الجنوبية.

3– تعميق التعاون المتعدد الأطراف مع بعض القوى الدولية:

أدى تراجع دور كندا في حفظ السلام، وتراجع نفوذها في الأمم المتحدة، واستقلالها الاستراتيجي المتناقص عن الولايات المتحدة إلى إضعاف نفوذها العالمي. ومن الجدير بالذكر أن محاولاتها الفاشلة للحصول على مقعد في مجلس الأمن والمواجهات مع الصين والهند والسعودية في عهد ترودو، توضح هذه النكسات بشكل أكبر. لكي تستعيد كندا دورها كقوة متوسطة، يقترح الخبراء تعزيز أشكال التعاون المتعدد الأطراف، وتعميق اتفاقيات التجارة الحرة، واستضافة محادثات السلام الدولية. ومع ذلك، وفي غياب استراتيجية واضحة للسياسة الخارجية، يظل طريق كندا نحو تحقيق ذلك غير مؤكد.

4– توجه الحكومة الكندية بعيداً عن التعاون مع الصين:

في حين تتمتع كندا بإمكانات في مجال الطاقة المتجددة وتطوير البطاريات الكهربائية، فإن إنتاجيتها التصنيعية الراكدة، وتشكُّك إدارة ترامب في الطاقة المتجددة، يقلل من أهميتها الاستراتيجية في الانفصال عن السياسات الأمريكية تجاه الصين.

إذا تولت حكومة أكثر محافظةً السلطةَ، فقد ينشأ موقف أقوى بشأن قضايا حقوق الإنسان وتوافق أوثق مع السياسات الأمريكية تجاه الصين، وهو ما قد يشكل جزءاً من تحالف غربي أوسع ضد النفوذ الصيني، وإن كان من المرجح أن يكون من دون إشراك المملكة المتحدة؛ نظراً إلى انفتاحها على الاستثمارات الصينية.

في الختام، أكد المتحدث الرئيسي أن كندا تشهد تحولات سياسية جديدة بعد تنحي ترودو من منصبه تاركاً حالة من عدم اليقين حول السياسة الداخلية والخارجية للبلاد. ومن المرجح أن تتشكل تلك السياسات في ضوء الفائز بالانتخابات الفيدرالية القادمة وتوجهاته، بجانب عودة ترامب وتأثير ذلك على العلاقات الثنائية بين واشنطن وأوتاوا؛ حيث كانت الانقسامات الداخلية في الحزب الليبرالي في الفترة الأخيرة، وزيادة عدد الوزراء المستقيلين من الحكومة بمنزلة انهيار لشعبية الحزب وفرصه في الانتخابات القادمة، ويتيح ذلك التغيير وتراجع التعاون مع قوى أخرى مثل الصين والهند، فرصاً للاعبين جدد لتعزيز شراكاتهم مع كندا، وعلى رأسها الإمارات ودول في منطقة الهندوباسيفيك.

التغيرات المرتقبة في السياسة الداخلية والخارجية لكندا (حلقة نقاشية)