أليكسندر ج. موتيل

بول بيرمان


        
<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عرض: إنتريجونال للتحليلات الاستراتيجية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>نشر موقع "فورين بوليسي"، في 13 مارس 2022، تقريرين للكاتبين؛ بول بيرمان، وإليكسندر ج. موتيل، تحت عنوانَي "الكارثة الفكرية في الحرب الأوكرانية" و"لغة الحرب الروسية في أوكرانيا"، تناولا توظيف روسيا لعاملَي "اللغة" و"الهوية" في محاولة فرض النفوذ على دول الجوار، لا سيما أوكرانيا، واعتبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحياء اللغات الأخرى غير الروسية عملاً عدائياً ضد موسكو، إضافة إلى توظيف محدد "اللغة" في استعداء القومية الأوكرانية. وفي المقابل كان هناك ما يمكن توصيفه بأنه "ثورة لغوية" من جانب أوكرانيا مضادة لسياسات النظام الروسي المتعلقة بفرض اللغة الروسية، بل إن بعض المتحدثين بالروسية في أوكرانيا أكدوا أنهم سوف يتحولون إلى التحدث بالأوكرانية، باعتبار أن اللغة الروسية باتت لغة المعتدي؛ ما جعل السياسات الروسية بمنزلة ثورة لإعادة تعريف الهوية الأوكرانية ذاتها التي كان يأمل الرئيس الروسي بوتين تدميرها. وفي خضم هذا الصراع الفكري، سعى بوتين إلى تقديم تبريرات لتسويق حربه ضد أوكرانيا. ووفقاً للتقريرين، فإنه بجانب الإخفاق في توظيف عامل اللغة في محاربة الأقليات والقوميات غير الروسية، والأوكرانية على نحو خاص؛ فإن "بوتين" يواجه كذلك إخفاقاً فكريّاً في تبرير حربه في أوكرانيا بناءً على نهجه الثقافي الخاص، خاصةً مع فشل توظيفه فكرة النازية ضد النظام الأوكراني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">براجماتية الهوية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لفت التقريران إلى بعض الأدوات التي لجأت إليها روسيا من أجل فرض اللغة والهوية الروسية على دول الجوار؛ من أجل تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– محاولات فرض اللغة الروسية على مختلف القوميات:</strong> بحسب التقريرين، فإنه إن كان الفضل يُنسب إلى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في تنمية الاعتزاز باللغة الروسية في الأعوام العشرين الماضية، غير أن محاولاته لفرض اللغة على الأقليات غير الروسية، تذكر بتاريخ بلاده الطويل الذي يمتد لقرون في قمع اللغات غير الروسية، وفرض اللغة الوطنية بالقوة على الأقليات المتمردة. حتى إن لم يحظر السوفييت بعد ذلك اللغات غير الروسية، لكنهم منعوا التداول بها في معظم المهن، ومنعوا استخدامها في المدارس العامة، وأشاروا إلى أن اللغة الروسية هي اللغة الوحيدة المهمة، خاصةً إذا أراد المرء تعزيز تعليمه وحياته المهنية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– اعتبار "بوتين" إحياء اللغات الأخرى عملاً عدائياً:</strong> أوضح التقريران أن المنشقين الأوكرانيين والليتوانيين كانوا من أكبر المعارضين لتلك السياسات الروسية، ودفعوا ثمناً باهظاً؛ إذ كانوا أكبر فرق السجناء السياسيين السوفييت. وفيما ربط "بوتين" روسيا البوتينية الجديدة باللغة والثقافة الروسية، اعتبر أن إصرار غير الروس بوجه عام، والأوكرانيين بوجه خاص، على إحياء لغاتهم؛ سينظر إليه الكرملين على أنه عمل عدواني ضد بلاده؛ ذلك أن "بوتين" يعتبر أن تأكيد الهوية غير الروسية يمثل تهديداً للدولة الروسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– توظيف اللغة في استعداء موسكو للقومية الأوكرانية:</strong> وفق التقريرين، فإنه في إطار محاولته استعداء القومية الأوكرانية، ركز "بوتين" كذلك على وجهة النظر القائلة بأن الحكومة الأوكرانية برئاسة الرئيس "فولوديمير زيلينسكي" –وهو يهودي ويتحدث الروسية– تتكون من فاشيين ونازيين جدد، لا يردعهم توجههم عن ارتكاب "إبادة جماعية" –كما ادعى الكرملين– ضد العرق الروسي والمتحدثين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا، وبذلك اعتبر "بوتين" أن سياسات اللغة الأوكرانية ترقى إلى مستوى الهولوكوست. ومن ثم، فإن وجود كل شخص في أوكرانيا يتحدث الأوكرانية، أو يعجب بالثقافة الأوكرانية المميزة، أو يؤكد بطريقة أخرى هوية غير روسية؛ يشكل بحد ذاته بالنسبة إلى "بوتين" تهديداً لغويّاً وسياسيّاً يجب القضاء عليه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– ثورة لغوية أوكرانية مضادة للسياسات الروسية: </strong>بحسب التقريرين، فإنه مما لا يثير الدهشة، أن تصرفات "بوتين" ومواقفه بشأن الهوية واللغة الروسية، قد حوَّلت الأوكرانيين غير المبالين سابقاً –بمن فيهم المتحدثون بالروسية– إلى وطنيين متحمسين على استعداد للقتال من أجل بلدهم، فقاوم الأوكرانيون بالأسلحة، بل باللغة أيضًا. وقد أعلن بعض المتحدثين الروس في أوكرانيا أنهم سوف يتحولون إلى التحدث بالأوكرانية؛ حيث إنهم يعتبرون الآن اللغة الروسية هي لغة المعتدي والظالم. ومن المفارقات أن سياسات موسكو في أوكرانيا خلال السنوات الثماني الماضية قد أحدثت ثورة لغوية تعمل على ترسيخ وإعادة تعريف الهوية الأوكرانية ذاتها التي كان يأمل "بوتين" تدميرها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تبرير الحرب</span></strong></p>



<p>أوضح التقريران بعض الأدوات التي انتهجتها موسكو من أجل تبرير التدخل العسكري في الأراضي الأوكرانية؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– إخفاق روسيا فكريّاً في تبرير الحرب ضد أوكرانيا:</strong> أوضح التقريران أنه بجانب الإخفاق في توظيف عامل اللغة في محاربة الأقليات والقوميات غير الروسية، والأوكرانية على نحو خاص، فإن "بوتين" يواجه كذلك إخفاقاً فكريّاً في تبرير حربه في أوكرانيا بناءً على نهجه الثقافي الخاص. فحتى إن كان غزو الجيران ليس بالأمر الجديد بالنسبة إلى زعيم روسي، لكن خطاب "بوتين" عجز عن تقديم شرح مقنع لأسباب مثل هذا العدوان لنفسه وللعالم على حد السواء؛ ما يعبر عن الخلل في تحقيق التوازن المطلوب بين عظمة حضارة روسيا وجغرافيتها (وهي نقاط قوة هائلة) في مقابل عجز غريب ومستمر عن بناء دولة مرنة وموثوقة (وهو ضعف هائل)، وهو ما حاول القادة الروس عبر القرون التعامل معه من خلال بناء أكثر أنظمة الاستبداد شراسةً، على أمل أن يعوض ذلك الافتقار إلى المرونة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– عدم نجاح بوتين في تسويق الفلسفة الخاصة به:</strong> وفق التقريرين، واجه "بوتين" مشكلة اللغة أو الخطابة التي لم يعانِ منها أي من أسلافه في تبريره للحرب في أوكرانيا؛ فقد عرف "نيكولاس الأول" في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر بالضبط كيف يصف حروبه ضد الأفكار والحركات الليبرالية في وسط أوروبا؛ كان ذلك من خلال التذرع بمبادئ الملكية الصوفية والأرثوذكسية التي أثارت الكراهية بين أصدقاء الثورتين الفرنسية والأمريكية، لكنها أثارت الاحترام والإعجاب بين أصدقاء الملكية والنظام الذين كانوا مسيطرين في أوروبا، ثم عرف "ستالين" و"خروتشوف" و"بريجنيف" أيضاً كيف يصفون حروبهم ضد الليبراليين من خلال التذرع بمبادئ الشيوعية التي أثارت الدعم والإعجاب في كل بلد كانت فيه الأحزاب الشيوعية قوية، غير أن "بوتين" في المقابل لم ينجح في تقديم أي نوع من العقيدة الفلسفية الخاصة به.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– محاولة توظيف الترويج للنازية لتبرير الحرب الأوكرانية:</strong> كان على المُنظِّرين الداعمين لـ"بوتين" أن يبتكروا توجهاً فلسفيّاً واضحاً يبرر وضع روسيا في الوضع الراهن، غير أن نهج "بوتين" الفكري لم يستمد أي شيء تقريباً من الشيوعية، باستثناء كراهية النازية التي بقيت من الحرب العالمية الثانية. على العكس من ذلك، أشار بأسف إلى أن المذاهب الشيوعية الرسمية في الماضي كانت تشجع على الحكم الذاتي لأوكرانيا بدلاً من تشجيع الخضوع الأوكراني للأمة الروسية الكبرى، فلم يكن موقف "لينين" بشأن ما كان يُطلق عليه "المسألة القومية" هو موقفه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد ركز "بوتين" كثيراً على مناهضته للنازية أيضاً، وكان تركيزه مسؤولاً عن قدر كبير من الدعم الذي نجح في إثارة مواطنيه الروس، غير أن معاداة النازية لا تقدم دعماً لعقيدته؛ فحتى إن كان دور النازيين الجدد في أوكرانيا في السنوات الأخيرة واضحاً، ولو في شكل رسومات على الجدران وتظاهرات في الشوارع من حين إلى آخر، لكنه لم يكن دوراً رئيسياً أو حتى دوراً ثانوياً، بل كان دوراً هامشياً إلى حد بعيد. وفي حين يعتقد "بوتين" أنه في ظل القيادة النازية الجديدة المفترضة التي استولت على أوكرانيا أصبح الملايين من الروس داخل حدود أوكرانيا ضحايا للإبادة الجماعية، فإنه في الواقع لم يكن هناك أي تحرك عالمي للاحتجاج أو التنديد بالإبادة الجماعية المتخيلة لملايين الروس في أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>4<strong>– فشل استدعاء دور كييف في تأسيس الأمة الروسية:</strong> وفق التقريرين، حاول "بوتين" كذلك استدعاء دور كييف في تأسيس الأمة الروسية في القرن التاسع، والحروب الدينية في القرن السابع عشر بين الكنيسة الأرثوذكسية (الأخيار) والكنيسة الكاثوليكية (الأشرار)، وحاول إعطاء قراءته الخاصة للماضي الملكي والديني تفسيراً قومياً، بحيث يظهر نضال الأرثوذكسية ضد الكاثوليكية كنضال قومي للروس مشمولًا معهم الأوكرانيون في تفسيره الخاص، لكن مع ذلك لا يوجد شيء عظيم أو نبيل في قراءة "بوتين" القومية للماضي. فاستحضاره لتاريخ الكنيسة يشير إلى عظمة الروحانية الأرثوذكسية ولكن لا يبدو أنه يعكسها، كما أن قومية "بوتين" محدودة وليست قومية عظيمة؛ إنها قومية بلد صغير ليس على الطريقة العميقة والمدوية للفكر الشيوعي الذي نجح في الامتداد بعيداً خارج الحدود.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– القصور في توظيف التهديد الذي يمثله "الناتو" لروسيا: </strong>أوضح التقريران أن "بوتين" أشار كثيراً إلى تجاوزات "حلف الناتو" باتجاه الشرق، لكنه يترك الأمر عند هذا الحد، دون أن يضع أساساً لاعتراضه، وإن كان يُستنتج أن توسع الحلف يشكل خطراً على روسيا؛ لأن جيوش الحلف قد تتدفق يوماً ما عبر الحدود إلى الأراضي الروسية، لكن الواقع أن توسع الحلف باتجاه الشرق يتعارض مع تقاليد السياسة الخارجية الروسية المحافظة؛ الأمر الذي لا يصرح به "بوتين" بسبب التوسعات الروسية ذاتها خارج الحدود.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– مخاوف من ثورة أوكرانية تصل إلى الداخل الروسي: </strong>إن السبب الرئيس لغزو "بوتين" أوكرانيا ليس بسبب عدوان "الناتو"، أو لأن أوكرانيا في عهد الرئيس "زيلينسكي" أصبحت نازية. لقد نفذ بوتين تدخله العسكري بسبب ثورة ميدان عام 2014. لقد كانت ثورة معتدلة قدمت لأوكرانيا مستقبلاً قابلاً للحياة، مع إمكانات جديدة لجيران أوكرانيا أيضاً، ومنها بيلاروسيا؛ الأمر الذي ولَّد قناعة لدى "بوتين" بأن هذه الثورة كانت مقرراً أن تمتد إلى موسكو وسانت بطرسبرج.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، لفت التقريران إلى أنه ترتبط المواجهات التي يخوضها "بوتين" في أوكرانيا بالخوف والحذر من مبادئ الفلسفة الليبرالية والممارسات الجمهورية الغربية المنجرفة شرقاً، وهو أمر له العديد من السوابق التاريخية حتى قبل غزو "بوتين" على نطاق محدود لجورجيا في عام 2008 ولشبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014؛ وذلك في القرون التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين، وكان الهدف من كل تلك الغزوات الحفاظ على الدولة الروسية من اختراق فلسفي بحت للأفكار الليبرالية والتجارب الاجتماعية عبر الحدود.</strong><strong></strong></p>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المصادر:</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<ul><li>Paul Berman, The Intellectual Catastrophe of Vladimir Putin, <strong>Foreign Policy</strong>, March 13, 2022, Accessible on: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/13/putin-russia-war-ukraine-rhetoric-history/">https://foreignpolicy.com/2022/03/13/putin–russia–war–ukraine–rhetoric–history/</a></li></ul>



<ul><li>Alexander J. Motyl, The Language of Russia’s War on Ukraine, <strong>Foreign Policy</strong>, March 13, 2022, Accessible on: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/13/putin-ukraine-russia-war-language-shibboleth-palyanitsya/">https://foreignpolicy.com/2022/03/13/putin–ukraine–russia–war–language–shibboleth–palyanitsya/</a></li></ul>

      

كيف فشلت روسيا في تسويق مبرراتها للحرب الأوكرانية؟