إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong><strong>صاحبَ اندلاع الحرب الأوكرانية إعادة الحديث عن احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة، والتلويح بإمكانية استخدام الخيار النووي في الصراع. وبالرغم من استبعاد معظم السياسيين والمحللين الوصول إلى سيناريو كهذا، فإن ثمة مؤشرات لاستعداد بعض الدول الغربية لذلك. وفي الواقع، فإن "الخيار النووي" قد يكون الخيار الأخير للقيادة الروسية إذا ما كان هناك تهديد وجودي لوحدة الأراضي الروسية واستقلاليتها، وهو سيناريو يرتبط بشكل أساسي باحتمالية توسُّع الحرب في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، بين روسيا من جانب والولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين من جانب آخر، ومع ذلك يظل اللجوء للخيار النووي أمراً مستبعداً خاصةً في ظل تكلفته الهائلة على الجميع.</strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ضغوط متزايدة</span></strong></p>



<p><strong>يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضغوطاً متصاعدة قد تزداد وتيرتها في الأيام القادمة بالنظر إلى جملة من العوامل، كما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تمكُّن الأوكرانيين من إطالة أمد الحرب:</strong> بالرغم من تأكيد موسكو أن الحرب التي انطلقت في 24 فبراير الماضي تسير وفق ما هو مخطط لها، وأنه يتم إبطاء سير العمليات –بشكل مُتعمَّد– للحد من الأضرار الجانبية، فإن الكثير من التقديرات تذهب إلى أن الأمور ربما لا تسير في أوكرانيا كما يُخطط الجيش الروسي، لا سيما مع استمرار المقاومة الأوكرانية العنيفة، وعدم حدوث انشقاقات واسعة في الجيش الأوكراني، ومؤشرات وجود رفض شعبي للقوات الروسية، وهو ما ساهم في إطالة أمد المعركة على نحو لم تتوقَّعه معظم أجهزة الاستخبارات الغربية، التي قدَّرت أن كييف يُمكن أن تسقط في غضون 48 ساعة من بدء العمليات الروسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– خسائر روسية كبيرة في الأرواح والمعدات:</strong> تتضارب الأنباء حول حجم الخسائر الروسية في الحرب الحالية، في ظل صعوبة الحصول على معلومات موثقة من مصادر مستقلة؛ حيث أعلنت موسكو في 2 مارس 2022 مقتل 498 جنديّاً روسيّاً، في حين تدَّعي كييف سقوط نحو 12 ألف عسكري روسي منذ بدء العمليات، فيما زعم البنتاجون أن خسائر موسكو تتراوح بين 2000 و4000 مقاتل. وفي ضوء تصاعُد وتيرة المعارك الحالية، وما أعلنته موسكو في مطلع مارس الجاري، فإن تقديرات البنتاجون ربما تكون أقرب إلى الواقع، وهي خسائر كبيرة على كل الأحوال في مدة تقل عن ثلاثة أسابيع، ناهيك عن الخسائر في المعدات العسكرية والطائرات الحربية، بالنظر إلى ما تُبديه القوات الأوكرانية من مقاومة عنيفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– توحُّد القوى الغربية في مواجهة موسكو:</strong> لعل اللافت في الحرب الحالية هو ما تُبديه الدول الغربية من وحدة ومواقف قوية معارضة للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وهو أمر لم يتوقعه الكثير من المراقبين، لا سيما مواقف دول مثل ألمانيا وفرنسا، وقد انعكس ذلك في العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا، التي وصلت إلى حد حظر الولايات المتحدة وكندا واردات النفط الروسية، وسط ضغوط متواصلة على الدول الأوروبية لاتخاذ الخطوة ذاتها. ولم تقتصر المواقف الغربية على حد العقوبات القوية ضد موسكو، بل امتدت إلى الدعم العسكري المتواصل لكييف، وتزايُد حضور الناتو في دول البلطيق وبولندا، بالإضافة إلى زيادة مخصصات الدفاع للعديد من الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا. وبطبيعة الحال، فإن كل تلك الارتدادات تُعتبر سلبية بالنسبة إلى موسكو.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تصاعُد مُحتمل للضغوط الداخلية على الكرملين:</strong> بالنظر إلى ما يبدو أنه إصرار من قبل القيادة الروسية على المضي قدماً في سيناريو الحل العسكري حتى تحقيق الأهداف الروسية من الحرب، فإن الدول الغربية –التي استبعدت منذ البداية خيار التدخل العسكري المباشر في أوكرانيا– ربما تُعوِّل على إحداث المزيد من الضغوط في الداخل الروسي، وهو ما لا تدعمه الكثير من المؤشرات في الوقت الحالي، بيد أنه مع إطالة أمد الحرب وكثرة الخسائر البشرية الروسية، بالإضافة إلى الارتدادات السلبية للعقوبات على المواطن الروسي، فإن الكرملين قد يواجه ضغوطاً حقيقية في الداخل، وهو سيناريو يُمكن أن يحمل الكثير من المخاطر بالنظر إلى سعي الدول الغربية إلى عزل موسكو دولياً على نحو ما بدا في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث أدانت معظم دول العالم التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خيارات موسكو</span></strong></p>



<p><strong>يُمكن إجمال الخيارات المحتملة لموسكو بالنظر إلى تصاعُد الضغوط العسكرية والاقتصادية بالإضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– ترجيحات باستكمال مسار الحرب رغم التكاليف الباهظة:</strong> تُشير الكثير من التقديرات الغربية إلى أن الرئيس بوتين يحمل الكثير من التحدي وربما العداء للغرب، وهو ما يعود في الأساس إلى تاريخ ونشأة الرئيس الروسي، وعمله السابق في الاستخبارات الروسية "كي جي بي"، وإيمانه بأن الغرب يُكن الكثير من العداء لبلاده وحضارتها. وبغض النظر عن الرؤى الغربية، فإن المتفق عليه أن الرئيس بوتين، وربما النخبة القوية المحيطة به، يحملون الكثير من الطموح لاستعادة "روسيا القوية" لاعباً أساسيّاً على الساحة الدولية، وضرورة العمل على وقف تمدُّد الناتو في دول أوروبا الشرقية، بل ربما يمتلك الرئيس الروسي رؤية طامحة لإعادة هيكلة توازنات القوى في أوراسيا، وهو ما ظهر في خطابه يوم 21 فبراير الماضي، الذي شكك خلاله في دولة أوكرانيا كحقيقة تاريخية. وبناءً عليه، من المستبعد أن يتراجع الرئيس الروسي عن خطواته في أوكرانيا دون تحقيق الأهداف المرجوة منها، مع استعداده لدفع كُلفة باهظة لتحقيق تلك الأهداف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– اتهامات متبادلة بالتحضير لاستخدام الأسلحة الكيميائية:</strong> تحمل إطالة أمد الحرب العديد من المخاطر. وفي هذا الصدد حذرت الولايات المتحدة والناتو من أن روسيا قد تُقدم على استخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا، وأن خطوة كهذه ستكون بمنزلة جريمة حرب، وهي الاتهامات التي اعتبرتها موسكو مزاعم "لا دليل عليها"، وتهدف في النهاية إلى "شيطنة" موسكو، كما لفتت موسكو إلى أنها حذرت من استخدام محتمل للأسلحة الكيميائية من قبل الراديكاليين الأوكرانيين، بدعم من الاستخبارات الأمريكية. ومن ثم فإن الفترة القادمة قد تشهد استخداماً للسلاح الكيميائي على نحو ما حدث في الحرب السورية، وسط اتهامات متبادلة وتسييس مستمر لهذا الملف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تجدُّد الحديث عن نشوب حرب نووية:</strong> لعل أخطر ما برز خلال الحرب الأوكرانية، تجدُّد الحديث عن نشوب حرب نووية بين روسيا والغرب، وهو ما تجلَّى في إعلان الجيش الروسي يوم 28 فبراير الماضي، أن قوات الردع النووية باتت في حالة تأهب قصوى –لأول مرة منذ الحرب الباردة– وذلك بعد ما اعتبره الرئيس الروسي تصريحات "عدائية" من الناتو ضد بلاده. ومن الواضح أن الخطوة الروسية تهدف في الأساس إلى ردع الناتو والتحذير من انخراطه على نحو واسع في الحرب الأوكرانية، وهو ما حذَّرت منه القيادة الروسية مراراً، ولو وصل الأمر إلى اعتبار الإمدادات العسكرية التي تصل من دول الناتو إلى أوكرانيا "أهدافاً عسكرية مشروعة"، تبع ذلك تصعيد روسي أكبر باستهداف قاعدة "يافوريف" العسكرية الأوكرانية التي تقع على بُعد 15 كيلو متراً فقط من حدود بولندا يوم 13 مارس الجاري؛ ما أدى إلى مقتل العشرات؛ الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين رسالة مباشرة إلى حلف "الناتو".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4-</strong> <strong>اعتبار "المسار النووي" ضمن الخيارات المطروحة:</strong> يعتبر اللجوء إلى الخيار النووي مُستبعَداً خلال هذه المرحلة من الصراع، بالنظر إلى امتلاك موسكو ترسانة عسكرية تقليدية قوية، وسيطرتها على نحو شبه كامل على الأجواء الأوكرانية، وضعف القدرات العسكرية لأوكرانيا مقارنة بروسيا. ومع ذلك، فإنه في حال توسعت الحرب الحالية خارج الحدود الأوكرانية، وامتدت إلى داخل الأراضي الروسية على سبيل المثال، وبات هناك تهديد وجودي لوحدة الأراضي الروسية وأمنها القومي، فقد تلجأ موسكو إلى ذلك الخيار برغم تكلفته الباهظة على الجميع. وفي هذا الإطار يُمكن فهم قيام ألمانيا بجرد ملاجئ البلاد المضادة للأسلحة النووية، وإعادة النظر في عمليات تفكيك تلك الملاجئ، وربما العمل على إعادة صيانتها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار ما يُطلق عليه "ملاجئ يوم القيامة" في الولايات المتحدة بعد زيادة الطلب عليها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تشكيك بعض التقديرات في "عقلانية بوتين": </strong>وصفت بعض التقارير الغربية بوتين بأنه خصم غير عقلاني، يملك أكبر ترسانة نووية في العالم، وأنه في ظل الوضع الحالي الذي يحدث فيه الخلط لدى بوتين بين استمرار حكمه وبقائه الشخصي، فقد يدفعه ذلك إلى تبني أي سياسات متطرفة حتى ولو تضمنت نشوب حرب نووية، وفق بعض التقديرات الغربية التي تجادل بأن على الولايات المتحدة وحلفائها التفكير في إمكانية تفضيل الرئيس الروسي العنادَ وتصعيد العنف مع تكثيف الضغوط الغربية ضد موسكو.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><strong>خلاصة القول؛ فإنه مع تراجُع التعويل على الوساطات الدولية لحل الأزمة الأوكرانية، والإصرار الروسي على تحقيق أهداف العملية العسكرية بالرغم من التحديات العسكرية الواضحة، وتفاقُم الأزمات الإنسانية في الداخل الأوكراني وأزمات اللجوء في دول الجوار؛ فإن الأبواب تبدو مفتوحة أمام جميع السيناريوهات؛ حيث لا يُمكن استبعاد لجوء القيادة الروسية إلى أي خيار، لاسيما في ضوء الدعم العسكري الغربي الكثيف لأوكرانيا، أو إذا قرر الناتو الانخراط مباشرةً في الصراع، وهما احتمالان لا يزالان ضعيفين في الوقت الحالي، لكنهما بكل الأحوال غير مُستبعدَين.</strong></strong></p>

      

هل يُمكن أن تلجأ روسيا إلى الخيار النووي في أوكرانيا؟