كرم سعيد

استحوذت شركة بايكار التركية الرائدة في إنتاج أنظمة الطائرات بدون طيار في نهاية ديسمبر 2024 على شركة "بياجيو آيروسبيس" المتخصصة في صناعة الطيارات العسكرية، ومن المقرر أن يقوم فريق من شركة "بايكار" ببدء استلام مقرات ومجمعات "بياجيو آيروسبيس" خلال الفترة المقبلة، بعد توقيع الطرفين في 27 يناير 2025 اتفاقية مبدئية لتسليم هياكل الأعمال التابعة لكل من "بياجيو آيرو إندستريز" و"بياجيو أفييشن"، اللتين تعملان تحت العلامة التجارية "بياجيو"، إلى "بايكار" التركية. ويُعد هذا الاستحواذ أول عقد كبير على الإطلاق توقعه شركة دفاع تركية خارج نطاقها المحلي، ما يعني زيادة نفوذ "بايكار" في سوق الطيران الأوروبي، بالإضافة إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية لأنماط وطرازات مختلفة في مجال الطائرات المسيرة.مؤشرات لافتةشهدت السنوات الأخيرة تقارباً ملحوظاً بين أنقرة وروما، وذلك من خلال تعزيز التعاون المشترك، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:1- تنشيط الشراكات الأمنية والدفاعية: يعد التعاون الدفاعي بين أنقرة وروما أحد المجالات الحيوية التي تقف وراء متانة العلاقة بين البلدين، وشهد التعاون في هذا المجال نقلة نوعية لاعتبارات ثلاثة مهمة؛ أولها استحواذ شركة بايكار التركية على شركة "بياجيو آيروسبيس" الإيطالية، والمتخصصة في الصناعات الدفاعية. وثانيها: رغبة روما في تعزيز التعاون مع الشركات الدفاعية التركية، وتجلى ذلك في إعلان وزير الأعمال والمصنوعات الإيطالية "أدولفو أورسو" في 11 يناير 2025، أن ثمة تعاوناً محتملاً خلال المرحلة المقبلة بين شركة "بايكار" التركية وعملاق الدفاعات الإيطالية "ليوناردو"، باعتبار أن الأخيرة باتت بحاجة إلى مزيدٍ من التحالفات لتعزيز قطاع الطيران في إيطاليا. وثالثها، أن كلا البلدين لديهما صناعات دفاعية متطورة ومصلحة مشتركة في توسيع قدرتهما الإنتاجية والتكنولوجيا العسكرية.2- توريد معدات عسكرية لروما: وقّعت تركيا وإيطاليا في منتصف يناير 2025 اتفاقاً إطارياً لتصدير معدات دفاعية إلى روما، وتضمن منح روما أنظمة تحكم وتوجيه، وهو ما يعكس حجم الاهتمام الإيطالي بقطاع الصناعات الدفاعية التركية، ويؤشر من جانب آخر إلى رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثنائي.3- تطور المبادلات التجارية بين أنقرة وروما: شهدت العلاقات التركية الإيطالية خلال الآونة الأخيرة تطوراً لافتاً فيما يتعلق بالمبادلات التجارية، والتي وصلت بنهاية العام 2024 إلى نحو 32 مليار دولار بحسب تصريحات الرئيس أردوغان خلال لقائه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في 10 يناير 2025، بينما وصلت الاستثمارات الإيطالية في تركيا إلى نحو 970 مليون دولار. ويرتبط التطور الحاصل في العلاقات الثنائية باتفاق البلدين على دعم فرص التجارة والاستثمارات بين البلدين، بما في ذلك الاتفاق على عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة خلال العام 2025.4- تصاعد التفاهمات حول القضايا الخارجية: تشير تطورات الأحداث على الساحة الإقليمية والدولية إلى تقارب الرؤي بين أنقرة وروما حيال عدد معتبر من القضايا الخارجية، وتجلى ذلك في تأكيد روما ضرورة مناقشة اندماج أنقرة في الاتحاد الأوروبي بروح إيجابية من أجل إعادة بناء العلاقات القوية بين أنقرة والاتحاد الأوروبي. بالتوازي، دعمت روما مقاربة تركيا بشأن أهمية رفع العقوبات عن سوريا، وتعزيز شرعية الإدارة السورية الجديدة. وعلاوة على ذلك يتقارب البلدان فيما يتعلق بإدارة الأزمة الليبية، حيث يبدي البلدان دعماً لحكومة الدبيبة غرب ليبيا بجانب الحفاظ على قنوات اتصال مع شرق البلاد.دلالات متنوعةتعكس صفقة استحواذ تركيا على شركة الصناعات الدفاعية الإيطالية "بياجيو آيروسبيس"، مجموعة من الدلالات، يتمثل أبرزها فيما يلي:1- طموحات أنقرة لاكتساب القوة العالمية: وفقاً للعديد من التقديرات، فإن استحواذ بايكار التركية على عملاق الصناعات الدفاعية الإيطالية "بياجيو آيروسبيس"، يُعد عنصراً حاسماً في دفع الطموحات العسكرية العالمية لتركيا، ويعكس توجهاً ملحوظاً من جانب أنقرة نحو استعراض قوتها عالمياً. كما أن هذه الصفقة، تكشف من جانب آخر، عن تعزيز قدرة تركيا على تحييد الضغوط الغربية عليها في مجال الصناعات الدفاعية، حيث تهدف تركيا إلى أن تكون إحدى الدول الأوروبية الرائدة عسكرياً، وذلك من خلال توسيع قاعدة إنتاجها الدفاعي للحد من الاعتماد على الأسواق الخارجية.2- تعزيز مصالح تركيا في أوروبا: يرجح أن تساهم صفقة الاستحواذ على "بياجيو" في دعم قدرة شركة بايكار التركية على النفاذ إلى الأسواق الأوروبية، وبالتالي الاستفادة من المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي للشركات الدفاعية العاملة على أراضيه، بالإضافة إلى أن الاستحواذ على الشركة الإيطالية التي تُعد واحدة من أهم الشركات الدفاعية في العالم يضمن في جانب معتبر منه تأمين وحماية استثمارات "بايكار" وأعمالها في أوروبا، حال حصول أي أزمات بين تركيا والاتحاد أو دوله.3- توفير فرصة لتركيا للعودة إلى برنامج F35: تُشير بعض التحليلات إلى أن نجاح بايكار التركية في الاستحواذ على "بياجيو" قد يوفر مدخلاً جديداً وغير تقليدي لإمكانية عودة تركيا إلى برنامج إنتاج مقاتلات F35، حيث تعمل الشركة الإيطالية كمزود فرعي ضمن مشروع المقاتلة الذي تنفذه شركة "كوكهيد مارتن" الأمريكية، وبالتالي يمكن استثمار صفقة "بياجيو" في التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية، وإقناعها بأهمية عودة أنقرة، بعد أن تم استبعادها من برنامج إنتاج المقاتلة المتطورة في العام 2019، وذلك رداً على شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية S400.4- تعزيز موقع تركيا على خارطة الصناعات الدفاعية: يعتبر استحواذ بايكار على شركة " بياجيو" الإيطالية أكبر صفقة للقطاع الصناعي الدفاعي في تركيا، بما يؤكد الأثر المتنامي للقطاع الدفاعي التركي في ساحات التصدير الدولية، وبخاصة لقارة أوروبا التي تُعَد من أهم المناطق الجغرافية فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية حول العالم. وعلى ضوء ذلك، فإن اختراق الشركات التركية لقواعد الصناعات الدفاعية في أوروبا، قد يعزز من الصورة النمطية لتركيا كمورد دفاعي عالمي ذي ثقة، والتأكيد على قوتها كدولة ذات جاهزية كافية لتلبية متطلبات الأسواق الدفاعية في الخارج، وهو ما يكسب صناعاتها الدفاعية بُعداً عالمياً.وفي ضوء ذلك، فإن خطوة شراء "بياجيو آيروسبيس" يمثل إضافة نوعية لدعم خطة الصادرات الدفاعية التي تطمح إليها تركيا إقليمياً وعالمياً، وتثبيت مكانتها الدولية على خريطة الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى إظهار قدرات تركيا الجيوسياسية حتى في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، لا سيما وأن الشركة الإيطالية التي تم الاستحواذ عليها تحظى باهتمام واسع واهتمام كبير من الجيوش الكبرى، باعتبارها من أكبر وأقدم الشركات الدفاعية.5- مساعٍ تركية لتنويع الاقتصاد الوطني: يشير استحواذ بايكار على شركات الدفاع الإيطالية "بياجيو" إلى محاولة تركيا تحويل الإنفاق الدفاعي إلى مورد اقتصادي إضافي، وذلك في إطار مساعي تنويع الاقتصاد الوطني، وهو ما يتجلى في تدشين تركيا عدداً من المشروعات والمبادرات التي تصب في هذا الإطار، وأهمها تعميق الشراكة الدفاعية مع قطاعات واسعة من الدول الصديقة لتركيا، بالإضافة إلى محاولة بناء قواعد إنتاجية للصناعات الدفاعية التركية في مناطق جغرافية متباينة، وذلك ضمن خطة الترويج والتوسيع للصادرات الدفاعية التركية، وبخاصة في قطاع المسيرات. جدير بالذكر أن تركيا تحتل المركز الـ11عالمياً بين الدول المصدرة للصناعات الدفاعية، حيث حققت صادرات الصناعات الدفاعية والطيران التركية بنهاية العام 2024 ما قيمته 7 مليارات و154 مليون دولار.فرص متنوعةختاماً، يمكن القول إن صفقة استحواذ تركيا على شركة "بياجيو" الإيطالية تشير إلى عدد من التطورات الدالة على رغبة البلدين القوية في تعزيز الشراكة الدفاعية، وتطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات، وهو الأمر الذي يعكس الفرص المتنوعة التي يمكن أن توفرها عملية استحواذ بايكار على واحدة من أهم شركات الصناعات الدفاعية عالمياً.

استحواذ شركة بايكار التركية على "بياجيو" عملاق الصناعات الإيطالية