إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

رغم أن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في سوريا، التي أُعلن عنها في 11 فبراير 2025، دعت معظم الأطراف المعنية بالتطورات التي تشهدها الساحة السورية منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق "بشار الأسد" في 8 ديسمبر 2024 – باعتبار أن ذلك يعكس واقع التعددية السياسية والقومية في البلاد، ويضمن تمثيلاً حقيقياً لجميع المكونات الوطنية – فإنها قررت في اجتماعها الأول الذى عُقد في 13 فبراير 2025 بالعاصمة دمشق، استبعاد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا من الحوار الوطني المزمع عقده قريباً في دمشق.وقد دفع ذلك الإدارة الذاتية إلى إصدار بيان في 15 فبراير 2025 للتنديد بهذه الممارسات، وتأكيد أنه لا يمكن إجراء أي حوار وطني في ظل الإقصاء والتهميش المتَّبع. ووفقاً للعديد من التقديرات الكردية، فإن الحوار الوطني قد لا يحقق اختراقاً بارزاً في الجهود التي تُبذَل للوصول إلى بناء دولة سورية جديدة، بما يعني صعوبة تقليص حدة القلق التي تنتاب الأطراف الكردية في الداخل السوري.دلالات متعددةتجادل اتجاهات عديدة بأن استبعاد الأكراد من المشاركة في الحوار الوطني السوري المقرر عقده في الأيام المقبلة، قد يكون مرتبطاً بتصاعد حدة التوتر حول الملفات الخلافية مع الإدارة السورية الجديدة، وهو ما يعني أن هذه الخطوة قد تكون مقدمة للتحرك نحو العمل على تقليص نفوذ قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وإضعاف حضورها في عملية صياغة الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة. وعلى ضوء ذلك، فإن استبعاد الأكراد من الحوار الوطني يطرح دلالات عديدة، يمكن بيانها على النحو التالي:1– اتساع نطاق الخلافات بين "قسد" ودمشق: على الرغم من مساعي الإدارة السورية الجديدة لتسوية الملفات الخلافية مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من أجل تعزيز فرص بناء هياكل الدولة السورية، وخاصةً الجيش، فإن التوتر تصاعد مجدداً ليفرض انعكاسات مباشرة على العلاقة بين الطرفين في الآونة الأخيرة؛ حيث وصل إلى مستوى غير مسبوق بعد رفض "قسد" حل نفسها والانخراط في وزارة الدفاع السورية مقابل الإصرار على الاندماج في الجيش الوطني ككتلة لا كأفراد، وهو ما ترفضه الإدارة السورية الجديدة نهائياً.كما تفاقمت الخلافات بين الطرفين بعد مطالبة "قسد" بتطبيق ما سمتها "الفيدرالية المرنة"، وهو ما أثار استياء الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً بعد انتقاد الإدارة الذاتية الكردية تنصيب "الشرع" رئيساً انتقالياً لسوريا، ووصف الخطوة بغير القانونية، بالإضافة إلى حرص "قسد" على الاستقواء بالدعم الأمريكي، وربما اتجاهها إلى تطوير علاقاتها مع إسرائيل التي تسعى إلى توظيف ملف الأقليات في الداخل السوري كورقة ضغط لتبرير توغلها الأخير في الداخل السوري.2– نجاح الضغوط التركية المستمرة على دمشق: يبدو جلياً أن تركيا تمكنت من تغيير المعادلة السورية بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى صدارة المشهد؛ إذ بدأت تركيا تعمل بصورة مكثفة من خلال الفصائل الموالية لها على تحييد تحركات الأكراد في شمال شرق سوريا. وكان لافتاً أن هذه التحركات التركية توازت مع تصاعد الضغوط التركية على الإدارة السورية الجديدة لتبني مقاربات متشددة تجاه الإدارة الذاتية الكردية. وظهر ذلك في إشادة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، خلال استضافته الرئيس السوري "أحمد الشرع" في 4 فبراير ،2025 بــ"الالتزام القوي لدى السلطات السورية الجديدة بمكافحة كل أشكال الإرهاب، سواء تعلق الأمر بداعش أو بحزب العمال الكردستاني"، وأضاف: "أود أن أعرب عن ارتياحنا للالتزام القوي الذي أظهره أخي أحمد الشرع في مكافحة الإرهاب".3– توسيع دمشق التفاهمات مع الشركاء الجدد: يشير عدم دعوة "قسد" لحضور اجتماعات الحوار الوطني السوري، إلى مساعي الإدارة السورية الجديدة لتقليص الدعم الأمريكي للمشروع الكردي السوري، وهو ما تجلى في إعادة إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" التلويح بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، على نحوٍ يفرض خيارات محدودة أمام "قسد". وتشير بعض التقديرات إلى التحسن اللافت في علاقات سوريا والدول الغربية، وهو ما تجلى في استضافة باريس في 13 فبراير 2025 مؤتمراً دولياً حول العملية الانتقالية في سوريا، بالإضافة إلى دعوة الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن سوريا، على نحوٍ يُوحي بوجود رغبة دولية مغايرة في دعم السلطة السورية الحالية، وقطع الطريق على ما قد يزعزع استقرارها.وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم فتور الانتقادات الغربية بشأن إقصاء الأكراد من الحوار الوطني السوري؛ ففي رؤية هذه الأطراف، فإن إعادة تضخيم الملف الكردي في التوقيت الحالي قد يؤدي إلى إرباك علاقاتها مع سوريا وتركيا، وكذلك عرقلة المباحثات الخاصة بالعملية السياسية التي تحظى بتأييد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.4– الرغبة في دعم النفوذ الداخلي للإدارة السورية: وفقاً للعديد من التحليلات، فإن إقصاء التيار الكردي عن الحوار الوطني يرتبط، في قسم منه، برغبة الإدارة السورية الجديدة في دعم نفوذها الداخلي، وإظهار القدرة على الإدارة مقابل إيصال رسالة إلى الأكراد مفادها أن "قسد" باتت تمثل جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من الحل في سوريا، خصوصاً بعد إصرارها على الاحتفاظ بالسلاح، وعدم الالتزام بتوجهات الإدارة الجديدة، سواء فيما يخص ترتيبات البنية الأمنية أو طبيعة النظام السياسي.كما يهدف استبعاد الأكراد إلى توجيه رسالة إلى بعض الفصائل التي لا تزال تصر على الاحتفاظ بقدراتها الأمنية، مثل الدروز واللواء الثامن في درعا بقيادة "أحمد العودة"، مفادها أن الإدارة الجديدة قادرة على ردع الخصوم المحليين، وتهميشهم في المشهد السياسي المقبل.تبعات محتملةعلى ضوء ذلك، ربما يسفر إقصاء التيار الكردي من الحوار الوطني عن مجموعة من التداعيات المحتملة، وهي التداعيات التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– تصعيد محتمل من جانب الأكراد: قد تسعى القوى الكردية، خلال المرحلة القادمة على خلفية استبعادها من الحوار الوطني، إلى اتخاذ خطوات تصعيدية واستفزازية جديدة في سوريا؛ ليس فقط لتوجيه رسائل إقليمية إلى تركيا التي تصر على عرقلة مشروع الإدارة الذاتية الكردية، وإنما أيضاً لإثبات أنها طرف لا يمكن استبعاده في عملية صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية في سوريا، وهو اتجاه سوف يؤدي، على الأرجح، إلى ترسيخ حالة الاستقطاب، وتوسيع نطاق الخلافات مع الإدارة السورية الجديدة.2– تقليص تأثير الحوار الوطني: يُرجح أن تتجه الإدارة الذاتية الكردية نحو شن حملة قوية ضد الحوار الوطني السوري، ومحاولة التشكيك في أهدافه. وظهرت بوادر ذلك في إعلان الفصائل الكردية السورية في 15 فبراير 2025 أنها غير ملتزمة بمخرجات الحوار وقراراته، فضلاً عن إصدار الإدارة الذاتية بياناً قالت فيه إن "اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سوريا لا تمثل كافة مكونات البلاد، ولا يمكن إجراء أي حوار وطني في ظل الإقصاء والتهميش المتَّبع من قبلها بهذا الشكل".وأضافت أن "الإعلان عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في سوريا، يدل على معايير الحصر، وأن هذا التوجه الخاطئ ينم عن سوء التقدير للواقع والمشهد السوري الحقيقي برمته، كما أنه يعكس قصوراً واضحاً في عملية التحول الديمقراطي لسوريا الجديدة، ويهدد بإعادة الأمور نحو النظام المركزي القديم".3– تحفيز التقارب الكردي–الكردي: يُرجح أن يؤدي إقصاء الأكراد من الحوار الوطني السوري إلى دفع القوى الكردية نحو التقارب فيما بينها، وخاصةً بين الإدارة الذاتية التي يقودها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والمجلس الوطني الكردي، الذي يضم عدداً من الأحزاب والتنظيمات الشبابية وبعض المستقلين. ويؤشر على ذلك رفض الأطراف الكردية عملية إقصاء الأكراد؛ فبينما أصدرت "قسد" بياناً في 15 فبراير 2025 يندد بعملية الاستبعاد، فقد سبق ذلك إصدار المجلس الوطني الكردي في 13 فبراير 2025 بياناً دعا فيه إلى "تصحيح الخلل من خلال إعادة النظر في تركيبة اللجنة، وضمان مشاركة عادلة وفاعلة للشعب الكردي وسائر الأطراف". إضعاف الكردوختاماً، يمكن القول إن إقصاء التيار الكردي من الحوار الوطني السوري قد يفاقم الخلافات بين الإدارة الذاتية الكردية وحكومة "أحمد الشرع"، كما أنه من المُرجح أن يضعف دور التيار الكردي في الداخل السوري خلال المرحلة المقبلة بفعل الضغوط التركية على الإدارة السورية الجديدة لتحييد الإدارة الذاتية الكردية وتهميشها في المشهد السوري. وربما سيكون الأثر التراكمي لاستبعاد الأكراد من الحوار الوطني هو إضعاف هذا المكون، بحيث لا يكون له تأثير فعَّال داخلياً، وهو ما قد يدفع الأكراد نحو الصدام مع دمشق.

ما التداعيات المتوقعة لاستبعاد الأكراد من الحوار الوطني السوري؟