إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

شهدت الفترة الأخيرة العديد من التجاذبات بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة السورية، للسيطرة على المعابر الحدودية لسوريا مع الدول المجاورة، أو المعابر الداخلية التي تفصل بين مناطق سيطرة الأطراف المختلفة.. ويتجلى ذلك من خلال متابعة المواقف الأخيرة لكل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة.







خلافات مستمرة



يمكن تناول أهم أبرز مظاهر تصاعد الخلافات بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة حول المعابر في سوريا؛ وذلك على النحو التالي:



1– هجمات روسية على محيط معبر باب الهوى: صعَّدت روسيا نشاطها العسكري ضد معبر باب الهوى؛ حيث عاود الطيران الحربي الروسي قصف محيط المعبر مؤخرًا؛ ما أدى إلى مقتل شخص واحد على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أنه يتم استخدام المعبر المذكور كبوابة تتجمع فيها شاحنات المساعدات الإنسانية لإفراغها ثم نقلها إلى شاحنات أخرى لإرسالها إلى شمال سوريا.



كما أفادت بعض التقارير الصحفية بأن روسيا أبلغت دولًا غربية بأنها ستُصوِّت ضد مشروع قرار جديد لتمديد القرار رقم 2533 الخاص بإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا من تركيا عبر معبر باب الهوى، وهو القرار الذي يُفترَض تمديده في شهر يوليو 2021.







2– صدام أمريكي روسي حول تمديد مساعدات الحدود: خلال ترؤسه اجتماع مجلس الأمن في 29 مارس 2021 لمناقشة الأوضاع الإنسانية ووصول المساعدات إلى الشعب السوري، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال الاجتماع، إلى فتح معبرين سبق أن تم إغلاقهما على الحدود السورية، وتمديد عمل المعبر الوحيد المفتوح؛ وذلك لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين. وفي هذا الصدد، أشار بلينكن إلى أنه يجب أن يتم تسليم المساعدات عبر نظام مُبسَّط للإمدادات الإنسانية والطبية إلى سوريا من الدول المجاورة، ولا سيما عبر الحدود مع تركيا.



وتُدلل التصريحات الأمريكية على رغبة واشنطن في زيادة الانخراط مجددًا في الشأن السوري، وبداية خلاف بين الولايات المتحدة وروسيا على تمديد القرار الأممي الخاص بالمساعدات عبر الحدود، الذي تنتهي مدته في يوليو المقبل. وفي هذا الصدد رفضت روسيا والحكومة السورية الدعوات الأمريكية. وفي بيان مشترك لمقرَّيْ التنسيق الروسي والسوري، وجَّه الطرفان الاتهام إلى واشنطن بممارسة ضغوط على الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان، واتخاذ المساعدات ذريعة لدعم المسلحين الموالين لها.







3– إنكار تركيا التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن المعابر: أنكرت تركيا التوصل إلى اتفاق مع روسيا بخصوص فتح 3 معابر بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في محافظتي حلب وإدلب. ونقلت وكالة الأناضول التركية أن المزاعم التي تتحدث عن اتفاق روسي تركي حول هذا الأمر تعتبر غير دقيقة. يأتي هذا فيما خرجت بعض التظاهرات الرافضة لفتح المعابر مع النظام في المناطق الخاضعة للسيطرة للتركية.



يُذكَر أن بعض وسائل الإعلام الروسية قد أعلنت، في وقت سابق من شهر مارس الماضي، أن تركيا وافقت على مقترح نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في حميميم "ألكسندر كاربوف"، الذي دعا فيه القوات التركية إلى إعادة فتح معبرَي سراقب وميزناز في منطقة إدلب، وكذلك معبر أبو زيدين في حلب، كما أعلن مركز المصالحة الروسي في فبراير الماضي عن فتح الحكومة السورية ثلاثة معابر أمام الراغبين في الخروج من إدلب.







دوافع مختلفة



يأتي تزايد التنافس بين القوى الفاعلة على الساحة السورية بخصوص المعابر، مدفوعًا بعدد من العوامل؛ أهمها:



1– تصاعد الخلافات بين موسكو وأنقرة: يأتي التجاذب الأخير بين روسيا وتركيا بشأن المعابر الحدودية في سوريا، بالتزامن مع تراجع مستويات التنسيق بين الجانبَيْن على نحو لافت خلال الفترة الأخيرة، وفي هذا الصدد دأبت الكثير من وسائل الإعلام الروسية مؤخرًا على التركيز على النقاط الخلافية بين الجانبين، وهو ما قد يهدد قدرة الطرفين على مواصلة الالتزام باتفاقيات التهدئة في الشمال السوري.



وفي هذا الصدد، طلبت تركيا من روسيا الضغط على الجيش السوري لوقف هجماته على مناطق المعارضة، كما صعَّدت المعارضة الموالية لتركيا اتهاماتها للقوات الروسية بقصف إدلب، وبدا واضحًا استياء وسائل الإعلام التركية من قصف الجيش الروسي محيط معبر باب الهوى. من جهتها، تستمر موسكو في انتقاداتها لأفعال الميليشيات المسلحة الموالية لتركيا في الشمال السوري.







2– محاولات لإعطاء الحكومة السورية المزيد من الشرعية الدولية: تسعى موسكو باستمرار إلى حصر دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية عبر مناطق الحكومة السورية، والدعوة باستمرار إلى التخلي عن آلية نقل المساعدات عبر الحدود التي وُضعت في عام 2014 باعتبارها آلية مؤقتة.



وترى موسكو أن بعض القوى تسعى إلى استغلال قضية المساعدات عبر الحدود كوسيلةٍ لتثبيت الخطوط الفاصلة في سوريا على شكلها الحالي، ودعم الجماعات الإرهابية، لا سيما مع استخدام الكثير من تلك الجماعات، المساعدات الإنسانية وسيلةً للضغط على المدنيين، كما تسعى موسكو، بمحاولتها حصرَ نقل المساعدات عبر المعابر التي تسيطر عليها الحكومة السورية، إلى إعطاء النظام المزيد من الشرعية والحضور الدولي.







3– الحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية بمناطق سيطرة النظام: تسعى موسكو – برفضها تمديد فتح المعابر في المناطق التي تسيطر عليها تركيا والمعارضة، وحصر تلك المعابر في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية – إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، لا سيما مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في تلك المناطق، في ضوء الأزمات الخانقة التي سببها قانون "قيصر"، وتعرُّض نحو 60% من السوريين لخطر الجوع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تمتُّع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من أنقرة بوضع معيشي جيد نسبيًّا، في ضوء استفادتها الحصرية من المساعدات الدولية التي تصِلُها عبر معبر باب الهوى.







4– سعي الولايات المتحدة إلى فرض رؤيتها في سوريا: يبدو أن التنافس الحالي بشأن المعابر في سوريا يأتي مدفوعًا – في جزء منه – برغبة الإدارة الأمريكية في فرض رؤيتها بشأن مساعدات الحدود في سوريا، ورغبة الولايات المتحدة في فرض شروطها في هذا الملف. وتجدر الإشارة إلى أن القرار الدولي رقم 2165 لعام 2014، قد نصَّ على فتح عدد من المعابر لإيصال المساعدات إلى سوريا، بيد أنه في 11 يوليو 2020، ووفقًا للقرار الدولي رقم 2533، تمَّ خفض عدد المعابر المفتوحة مع سوريا إلى معبر واحد فقط؛ هو معبر باب الهوى الواقع بين محافظة إدلب والأراضي التركية.



وحسَب الكثيرين، فقد مثَّل هذا الأمر انتصارًا للدبلوماسية الروسية، لا سيما أن القرار الأخير قد جاء بعد 4 محاولات فاشلة للاتفاق على نص القرار؛ وذلك بسبب الفيتو الروسي الصيني. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف داخل مجلس الأمن تخلَّت حينها عن بعض شروطها لتمرير قرار التمديد لمعبر واحد، فإن من المتوقع أن تتعنَّت إدارة بايدن مع مسألة تمديد القرار مع حلول الموعد في شهر يوليو المقبل،خاصةً مع التدهور الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة وبين كل من روسيا والصين، وهو الأمر الذي يُنذر بخلافات دبلوماسية قوية مع اقتراب التمديد في يوليو 2021.







وفي المجمل، يُتوقَّع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من التوتر الدبلوماسي وربما الميداني بين الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، على خلفية التنافس حول المعابر الحدودية، لا سيما مع اقتراب موعد التمديد لآلية المساعدات الدولية عبر الحدود، وهو الأمر الذي يُضفِي المزيد من التعقيد على المشهد السوري، والمسارات المحتملة لحلحلتها.

أبعاد التنافس للسيطرة على المعابر الحدودية السورية