إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>أظهرت الحرب الجارية في أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي حتى الآن، أهمية كبيرة للخرائط في معادلة الصراع؛ حيث يحرص الجانب الروسي –باعتباره المبادر بالهجوم– على توظيف الخرائط لخدمة أهدافه المنشودة من هذه الحرب. وفي المقابل، يحرص الجانب الأوكراني –وكذلك الجانب الأمريكي بطبيعة الحال– على إظهار عدم دقة الخرائط الروسية. ويهتم المتابعون بتلك الخرائط، ويراقبونها بشغف، باعتبارها مؤشراً رئيسيّاً للحكم على الأوضاع الميدانية في ساحة القتال.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أدوار محورية</span></strong></p>



<p><strong>ومن هذا المنطلق، يمكن استعراض طبيعة الأدوار المحورية التي تلعبها الخرائط في الحرب الأوكرانية؛ وذلك من خلال ما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– ترويج الجانب الروسي سرديته الخاصة بالحرب: </strong>حرصت المؤسسات الروسية الرسمية –وعلى رأسها وزارة الدفاع– منذ بدء حرب أوكرانيا على طرح خرائط تُظهر الوضع الميداني في ساحة المعركة، وهو أمر طبيعي؛ حيث يحرص أي طرف في أي معركة على توظيف أدوات مختلفة، ومنها الخرائط، للترويج لسرديته الخاصة بالمعركة. وبطبيعة الحال، فإن كل طرف يحرص على المبالغة عند ترويجه لسرديته؛ حيث تعكس هذه السردية وجهة نظر معينة ورواية من طرف واحد، وهو أمر يسترعي الانتباه من أجل الوصول إلى صورة ميدانية أقرب للدقة عن حالة الصراع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولا شك أن الأدوات الإعلامية القوية التي تمتلكها روسيا تساعدها على الترويج بقوة للخرائط المطروحة من قِبَلها، فتضمن قدرة على تحقيق دعاية قوية للسردية الروسية، وهي أدوات لا شك أنها أقوى من الأدوات الأوكرانية حتى لو ساعد الغرب كييف على الترويج لسرديتها؛ فدائماً ما يميل المتابع إلى الاستماع بنسبة أكبر إلى رواية من يقوم بالفعل لا من يقوم برد الفعل. ويدلل على ذلك تعرض العديد من الأدوات الإعلامية الروسية ذات الصلة بالحكومة، لهجمات إلكترونية غير مسبوقة منذ بدء الحرب، على أمل أن يساهم ذلك في إضعاف السردية الروسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التلاعب النفسي الروسي بالخصوم بإظهار التقدم: </strong>يبدو من خلال البحث على الخرائط الخاصة بالحرب الأوكرانية على شبكة الإنترنت، أن النسبة الكبرى منها خرائط صممتها مؤسسات وجهات روسية رسمية وغير رسمية. وتعكس هذه الخرائط، في الغالب، وجود تقدم ميداني كبير للقوات الروسية على حساب القوات الأوكرانية. وتميل تلك الخرائط إلى اتباع نمط مماثل؛ إذ يتم تلوين مناطق التقدم الروسي باللون الأحمر، ويتم تضخيمها أحياناً بالسهام التي تشير إلى اتجاه التحركات الروسية. وتوصف هذه المناطق في مفاتيح الخرائط بأنها "مناطق تم الاستيلاء عليها".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويسعى الجانب الروسي من ذلك إلى تحقيق هدف التلاعب النفسي بالخصوم، وهز ثقة الجانب الأوكراني بنفسه. وتحاول الخرائط الروسية الترسيخ لفكرة فحواها أن القوات الروسية نجحت في تطبيق سياسة "الكماشة"، بمعنى إحكام الحصار على أوكرانيا من جهاتها الأربعة. وعلى سبيل المثال، حرصت وسائل الإعلام الروسية، في الأيام الأخيرة، على إظهار الحضور العسكري الروسي في غرب أوكرانيا في الخرائط التي تعرضها، وهي منطقة كانت القوات الروسية تتجاهلها في الأيام الأولى من الحرب لأسباب عديدة، يأتي على رأسها بُعد هذه المنطقة عن الحدود الروسية الأوكرانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– استثمار الخرائط لإقناع كييف بقبول المطالب: </strong>على الرغم من أن التطورات الميدانية للحرب في أوكرانيا تؤكد أن روسيا لا تزال تفضل مسار الحسم العسكري، وإن تأخر هذا الحسم، فإن انفتاحها على المفاوضات مع الحكومة الأوكرانية، وكذلك اهتمام الجانب الروسي بمحاولات بعض الدول للقيام بوساطة لحل الأزمة، يُوحي بأن موسكو قد تقبل بالحل السياسي في مرحلة ما، لكن وفق الشروط والمطالب الروسية؛ حيث لا يُتوقع أن تتنازل روسيا عن الحد الأدنى الذي يحفظ لها أمنها في مواجهة حلف الناتو والغرب بعد الضريبة الكبيرة التي دفعتها حتى الآن نتيجة تعرضها لخسائر اقتصادية ضخمة، إثر العقوبات الدولية غير المسبوقة عليها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتعتبر الخرائط أداة رئيسية من الأدوات التي تحاول روسيا توظيفها لإقناع كييف بقبول المطالب الروسية؛ فرغم أن الحكومة الأوكرانية تحرص باستمرار على تكذيب صحة الخرائط الروسية، فإن الآلة الإعلامية الأوكرانية لا يمكن أن تضاهي نظيرتها الروسية، وهو أمر يضغط على المسؤولين الأوكرانيين باستمرار؛ حيث يمكن أن تتولد قناعة مع الوقت بأن الرواية الروسية صحيحة، وأن الجيش الروسي ينتشر في معظم المدن الأوكرانية الكبرى، حتى لو كان ذلك مجرد عمليات توغل محدودة في ضواحي هذه المدن. ويُضاف إلى ذلك أن ثمة قناعة لدى المسؤولين الأوكرانيين بأن الحل الأنسب هو التوصل إلى صيغة سياسية تُنهي الحرب؛ حتى لا تُدمَّر مقدرات أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحسين الصورة العالمية عن الجيش الروسي:</strong> على اعتبار أن حرب أوكرانيا أكبر من مجرد كونها حرباً بين موسكو وكييف، فإن توظيف روسيا الخرائط في الحرب لا يتم ضد الجانب الأوكراني وحده، بل يتم كذلك ضد الغرب وحلف الناتو، باعتبارهم أطرافاً أساسيين فيما يجري داخل أوكرانيا ولو لم يشتركوا في العمليات العسكرية بجانب كييف ضد موسكو. وفي هذا الإطار، لا شك أن روسيا ترى في حرب أوكرانيا فرصة لتحسين الصورة الذهنية في العالم عن الجيش الروسي وإظهار قدرات كبيرة يمتلكها، وتأكيد أن موسكو قادرة على إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي مرة أخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُشار في هذا الصدد إلى أن تقارير تحدثت مؤخراً عن أن روسيا تحاول إبراز تقدمها الميداني أو حصارها مدناً كانت لها رمزية كبيرة إبان العهد السوفييتي، مثل مدينة خاركيف التي كانت عاصمة أوكرانيا السوفييتية حتى عام 1934. ويحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وراء ذلك إرسال رسائل ضمنية وصريحة إلى الغرب وحلف الناتو؛ أن بلاده قادرة على تحقيق الأهداف المنشودة من وراء العمليات العسكرية في أوكرانيا، رغم كم الضغوط التي تواجهها روسيا، خاصةً بعد تعرضها لأكبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية في تاريخها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تحركات مضادة لضرب مصداقية خرائط موسكو: </strong>لم يقتصر توظيف الخرائط في الحرب الأوكرانية على الجانب الروسي، بل سعت أطراف عديدة إلى توظيف الخرائط ضد موسكو. وعلى سبيل المثال، غيَّرت شركة أبل الأمريكية، في 3 مارس الجاري، وصفها لشبه جزيرة القرم في تطبيق الخرائط الخاص بها لإظهارها جزءاً من أوكرانيا. ويأتي هذا التحرك على الرغم من أن خرائط أبل قبل حرب أوكرانيا كانت تبين أن شبه جزيرة القرم روسية عند مشاهدة الخرائط من روسيا، أو إظهارها عديمة الجنسية عند مشاهدتها من بقية دول العالم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما عطَّلت شركة جوجل الأمريكية إمكانية إضافة تعليقات أو صور أو مقاطع فيديو على خدمتها للخرائط "جوجل مابس" في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، "تفادياً لاستخدامها كمنصة لنشر أخبار الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا". وأشارت جوجل إلى أنها تدرك أن أشخاصاً يحاولون التواصل بشأن الحرب عبر "جوجل مابس"، لكنها ذكَّرت أن أدواتها ليست مصممة لهذه الغاية. وحضَّت مجموعة "أنونيموس"، يوم 28 فبراير الماضي، الموجودين في أوكرانيا على الذهاب إلى "جوجل مابس" لإظهار التخريب الذي حدث في البلاد بعد الهجوم الروسي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– تنامي دور الاستخبارات الجغرافية المكانية: </strong>أشارت تقارير استخباراتية مؤخراً، على غرار تقرير صادر عن موقع مجلة إنتلجنس أونلاين، في 3 مارس الجاري، إلى أن دور الاستخبارات الجغرافية المكانية تزايد في خضم الحرب الروسية الأوكرانية. ويبرز في هذا الإطار صور الأقمار الصناعية والخرائط التي تنشرها شركة ماكسار (المتخصصة بتوفير تحليلات جغرافية مكانية ثلاثية الأبعاد من خلال بيانات الأقمار الصناعية)، عن الواقع الميداني في أوكرانيا. وسبق أن اعتمدت العديد من التحليلات التي تنبأت بالهجوم الروسي على أوكرانيا قبل وقوعه على الصور التي قدمتها ماكسار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">استقطاب الجمهور</span></strong></p>



<p><strong>وختاماً، من الملاحظ أن الخرائط تلعب أدواراً رئيسية في الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث باتت أداة تستخدمها الأطراف المنخرطة في الحرب، وعلى رأسها الجانب الروسي، لتحقيق أهداف الحرب، سواء المرتبطة بالواقع الميداني ومسار التطورات على الأرض، أو المتعلقة بالأسباب والمطالب التي تم بدء الحرب لأجلها. كما يُلاحظ أن الأطراف المتقابلة في الأزمة توظف الخرائط توظيفاً مختلفاً من أجل تثبيت صور ذهنية معينة لدى الرأي العام العالمي حول ما يجرى على الأرض وتوجيهه؛ إما لتقبل العمليات العسكرية الروسية كما يحاول الجانب الروسي فعل ذلك، أو اعتبارها غزواً كما يريد الغرب.</strong></p>

      

لماذا يتصاعد توظيف الخرائط في الحرب الأوكرانية؟