علي عاطف


        
<p><strong>لا يزال حذف اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات التي تصنفها واشنطن إرهابية، يُشكِّل العقبة الأخيرة في سبيل الإعلان النهائي عن الاتفاق النووي مع إيران. وقد تفاقم التوتر بين طهران وواشنطن على وجه الخصوص بسبب هذا المطلب الذي تضغط طهران من أجل تحقيقه، وترفض الولايات المتحدة في الوقت نفسه الاستجابة له، حتى باتت جهود الأشهر الماضية الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي على وشك الانهيار التام، وهو ما لا يخفيه المفاوضون الأمريكيون والأوروبيون. في الواقع، لا تنحصر الأسباب وراء رفض الولايات المتحدة حذفَ اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، في زاوية واحدة سياسية أو عسكرية أو حتى أمنية، بل إنها لا تتقيد بالحدود الجغرافية للولايات المتحدة أو أوروبا، وتتعدَّاها إلى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الداخل الأمريكي</span></strong></p>



<p><strong>1– معارضة داخلية شديدة لحذف "الحرس" من قائمة الإرهاب: </strong>أعلن نواب جمهوريون كُثر في الولايات المتحدة، مبكراً، عن رفضهم حذف الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية. ورأى بعضهم أن مثل هذه الخطوة سوف تمثل تهديداً لمصالح البلاد في الخارج، وأنها لا تتماشى مع المصلحة الوطنية للولايات المتحدة؛ ففي شهر مارس الماضي، وجَّه 80 عضواً في الكونجرس رسالة إلى إدارة الرئيس بايدن حذَّروه فيها من الإقدام على إزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وأعلن الأعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد عقد جلسة سرية في 22 مارس الماضي، بين المبعوث الأمريكي الخاص بإيران "روبرت مالي" وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي؛ عن رفضهم صراحةً إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، محذرين من عواقب هذه الخطوة أيضاً على حلفاء واشنطن. وربط السيناتور الجمهوري الأمريكي "جيم ريش"، عقب الاجتماع، بين رفع الحرس الثوري من القائمة والإفراج عن أموال تُقدَّر بالمليارات لإيران في إطار الاتفاق النووي، قال إنها تتراوح بين 90 و130 مليار دولار أمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تحالف نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين ضد إيران: </strong>خلقت مسألة حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب تحالفاً نادراً بين الجمهوريين وبعض النواب الديمقراطيين في الولايات المتحدة، اتفقوا على معارضة خطة إزالة الحرس من قائمة المنظمات الإرهابية. وعلى سبيل المثال، شدد السيناتور الديمقراطي "بن كاردان" على ضرورة عدم حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، بينما قال مشرعون ديمقراطيون آخرون إنه لم يتم إطلاعهم على مسودة الاتفاق النووي المستقبلي، وكان على رأسهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقراطي "بوب مينينديز".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما أن إقدام الرئيس الأمريكي بايدن على حذف الحرس من قائمة الإرهاب قد يهدد سيطرة حزبه على الكونجرس بعد إجراء انتخابات التجديد النصفي في 8 نوفمبر المقبل، نظراً إلى رفض قطاع كبير في الداخل الأمريكي حذف الحرس من قائمة الإرهاب. وعلاوة على ذلك، فإنه قد يُحدث انشقاقات في الحزب على غرار ما نتج عن سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب أثناء فترة حكمه. ولعل استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته "رويترز–إبسوس" قد يدفع بايدن وإدارته إلى الحذر الشديد بشأن إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة الإرهابية؛ فقد أظهر الاستطلاع الذي جرى في 21 و22 مارس 2022 انخفاض شعبية الرئيس جو بايدن إلى مستوى قياسي بلغ 40%. وكانت الصراعات والسياسة الخارجية الأمريكية من أبرز مخاوف المستطلعة آراؤهم عند سؤالهم. وعليه، فإن بايدن بحاجة في الواقع إلى ما يرفع شعبيته، وهو ما يتناقض مع حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">التصعيد الإقليمي</span></strong></p>



<p><strong>3– مخاوف الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة: </strong>تُشكِّك الولايات المتحدة في نوايا إيران من وراء المطالبة برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. وعلى الرغم من اشتراط واشنطن، في بداية الأمر، تقديم إيران ضمانات بعدم إقدامها لاحقاً على زعزعة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط إذا تم حذف اسم الحرس من القائمة، فإن إدارة الرئيس جو بايدن يبدو أنها لا تثق بمثل هذا الأمر؛ حيث قادت تجربة مرحلة ما بعد الاتفاق النووي الأصلي في عام 2015 إلى توسع مباشر وكبير لنفوذ الحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط، وكانت إحدى محركاته تدفق الأموال الضخمة على إيران بعد الإفراج عنها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وسيقود توسع أنشطة الحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط مجدداً وانتشاره بكثافة، إلى تهديد المصالح والمواطنين الأمريكيين في الإقليم، وتهديد حلفاء واشنطن أيضاً؛ حيث إن من المُرجَّح بشدة أن يندفع الحرس لتعميق نفوذه وبسط سيطرته الكاملة مرة أخرى على الوكلاء في الإقليم، من خلال تزويدهم بالمال الكافي والأسلحة بعد سنوات من توترات غير معلنة بين الحرس الثوري وبعض الجماعات الموالية له في العراق نتيجة العقوبات الشاملة ضد إيران.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ضغوط الحلفاء</span></strong></p>



<p><strong>4– رفض حلفاء واشنطن حذف الحرس من قائمة الإرهاب: </strong>تدرك واشنطن وإدارة الرئيس جو بايدن جيداً أن الدول التي تربطها بها علاقات تعاون وصداقة في منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، ترفض حذف الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية. وفي ظل سعي الولايات المتحدة، على اختلاف إداراتها الحاكمة، إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه الدول، فإنها تأخذ في الحسبان هذا العامل المهم عند دراسة الأبعاد المستقبلية لرفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويعزز هذا الانتباه لدى الإدارة في واشنطن، خشيتُها من تعزيز هذه الدول المعنية علاقاتها مع روسيا والصين، خاصةً أن إمكانية تبلور مثل هذا التوجه يأتي في ظل توتر للعلاقات توتراً غير مسبوق منذ الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أواخر فبراير الماضي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الضغوط الإسرائيلية</span></strong></p>



<p><strong>5– رفض إسرائيل المحادثات النووية وحذف الحرس معاً: </strong>حين تم التوصل إلى الاتفاق النووي الأصلي عام 2015، وجَّهت إسرائيل انتقادات حادة إليه، ووصفه رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو، بأنه "خطأ تاريخي بالنسبة إلى العالم". وانطلاقاً من تلك التجربة السابقة، ترغب إسرائيل في منع إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 في فيينا، علاوة على رفضها التام والقاطع لحذف الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولذا عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في 18 مارس الماضي عن "صدمته" بشأن إمكان إلغاء الولايات المتحدة تصنيف الحرس إرهابياً؛ حيث قال في بيان شديد اللهجة: "إنه يستحيل علينا التصديق بأن الولايات المتحدة ستلغي تعريف (الحرس) بصفته منظمة إرهابية". وعندما أصبح من الواضح مؤخراً أن الولايات المتحدة لم تقرر حتى الآن، أو ترفض رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، أعلنت إسرائيل ترحيبها بما سمته "التراجع" الأمريكي عن هذا التوجه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خيارات تالية</span></strong></p>



<p><strong>خلاصة القول: لا تنفصل العوامل السالفة الذكر بعضها عن بعض، لكن تم ترتيبها حسب أولوياتها وأهميتها لدى متخذ القرار الأمريكي عند النظر في المسألة الخاصة بإنهاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني إرهابياً من عدمه. وعلى الرغم من الضغوط الإسرائيلية الواسعة، فإنها في الواقع لا تستحوذ على أهمية أكبر من العناصر التي تؤثر على حذف الحرس من قائمة الإرهاب.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ومع ذلك، فمن المرجح أن تُقْدِم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، فيما يخص حذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، على تبني إحدى الخيارات التالية: أولها حذف الحرس الثوري من القائمة مقابل الحصول على ضمانات جدية مكتوبة من إيران بعدم تصعيد التوترات في الإقليم، وأن يكون هذا بنداً أساسياً منصوصاً عليه في الاتفاق. أما ثانيها فهو حذف الحرس، مع النص في الوقت نفسه على البدء في تسوية ملف اليمن وإيقاف اعتداءات ميليشيات "الحوثيين" ضد دول الجوار. أما ثالثها فيتعلق بحذف الحرس مع إبقاء "فيلق القدس" على قائمة الإرهاب، ورابعها قد يكون التراجع عن حذف الحرس مع الضغط على إيران لإتمام الاتفاق النووي دون مناقشة الأدوار الإقليمية لطهران في المنطقة.</strong></p>

      

لماذا تتردد واشنطن في رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب؟