د. محمد عباس ناجي


        
<p>رغم أن الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) التي تشارك في المفاوضات النووية مع إيران في فيينا، تُبدي الآن تفاؤلاً بإمكانية الوصول إلى صفقة في نهاية تلك المفاوضات، فإن بريطانيا تبدو أكثر هذه الدول حذراً، سواء تجاه علاقاتها بإيران أو إزاء المفاوضات وما يمكن أن تؤول إليه، إذ قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، أمام مجلس العموم في لندن، في 25 يناير 2022، إن "المحادثات تقترب من طريق مسدودة، وإن التقدم الحاصل ليس سريعاً بالقدر الكافي"، وأضافت أن "على إيران أن تختار الآن إذا ما كانت ترغب في إبرام اتفاق أو تكون مسؤولة عن انهيار الاتفاق النووي"، موجهة تحذيراً مباشراً بأن "انهيار المفاوضات يعني أن كل الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة"، وهو ما دفع طهران إلى استدعاء السفير البريطاني لديها لإبلاغه احتجاجها الرسمي على تصريحات وزيرة الخارجية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اعتبارات عديدة</span></strong></p>



<p><strong>يمكن تفسير تبني بريطانيا سياسة أكثر حذراً تجاه إيران في ضوء اعتبارات رئيسية عديدة؛ يتمثل أبرزها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- الحساسية التاريخية الإيرانية تجاه "بريطانيا الخبيثة":</strong> لا تفصل إيران كثيراً بين الأدوار التاريخية "السلبية" التي قامت بها بريطانيا عن تلك التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يبدو جلياً في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الذي يصف بريطانيا دائماً بأنها "دولة خبيثة". وقد منع خامنئي، على سبيل المثال، استيراد لقاحات فيروس "كوفيد–19" من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وقد ثارت ضجة في إيران في 12 أغسطس 2021، عندما نشرت صورة تجمع بين السفيرين البريطاني والروسي لدى إيران لوان جاغريان وسيمون شركليف يجلسان في البهو الخارجي للسفارة الروسية في طهران.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>حيث أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الصورة تحاكي تاريخياً صورة أخرى جمعت بين رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، والزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1943، وقت أن كانت إيران تخضع لاستعمار مشترك روسي بريطاني، حيث عُقد مؤتمر طهران بين القادة الثلاثة. وكان لافتاً أن تعليق السفارة الروسية على الصورة الأولى –التي تضمنت مقعداً خالياً في الوسط– جاء ليزيد استفزاز المسؤولين الإيرانيين؛ حيث تضمن التالي: "على الدرج التاريخي؛ حيث عقد مؤتمر طهران عام 1943".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- الخبرة السلبية لـ"بوريس جونسون" تجاه إيران:</strong> يمتلك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خبرة سلبية في علاقاته مع إيران وقت أن كان وزيراً للخارجية؛ حيث سعى خلال توليه المنصب الأخير إلى إنجاز ملف الموظفة البريطانية لدى مؤسسة "طومسون رويترز" نازانين زاغاري راتكليف، التي تقضي عقوبة السجن في إيران بتهمة التجسس والعمل على قلب النظام. وقد قام بزيارة إيران في 10 ديسمبر 2017؛ من أجل إطلاق سراح راتكليف، إلا أنه لم ينجح في ذلك، بل عرَّض الأخيرة لضغوط أكبر عندما أدلى بتصريحات فُسِّرت على أنها إقرار بأنها قامت بأنشطة يعاقب عليها القانون الإيراني.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي الواقع، فإن ملف مزدوجي الجنسية لا يزال يمثل ملفاً شائكاً في العلاقات بين الطرفين، لا سيما في ظل الاتهامات التي توجهها بريطانيا إلى إيران باستغلال الملف سياسياً لتحقيق أهداف خاصة بالمفاوضات، أو برؤيتها إزاء السياسة البريطانية تجاه الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. ورغم أن المجلس الثقافي البريطاني أعلن، في 12 يناير الجاري، أن السلطات الإيرانية أطلقت سراح آراس أميري الموظفة التي تعمل لديه، واتُّهمت بالتجسس، لكنها حصلت على البراءة في الاستئناف، إلا أن ذلك لم يقلص من حدة الخلافات العالقة بين الطرفين في هذا الصدد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الدعم البريطاني الملحوظ والمستمر لإسرائيل:</strong> وهو ما بدا جلياً في المقال المشترك الذي قام بكتابته كل من وزيرة الخارجية البريطانية لويز تراس ونظيرها الإسرائيلي يائير لابيد، في صحيفة "تليجراف"، في 29 نوفمبر الماضي، والذي أكَّدا فيه أن "بريطانيا وإسرائيل ستبذلان كل جهودهما، ليلاً ونهاراً، من أجل منع إيران من أن تصبح قوة نووية". وأضافا: "إن الوقت يمر، وتزداد ضرورة التعاون مع شركائنا وأصدقائنا من أجل التصدي لطموحات إيران". وقد دفع ذلك إيران إلى الرد على هذه الرسائل؛ حيث اعتبرتها إشارة إلى أن بريطانيا تحاول عرقلة المفاوضات النووية، خاصةً أن المقال نُشِر بالتوازي مع بداية الجولة السابعة من تلك المفاوضات.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، في اليوم نفسه: "إن مسايرة وزيرة الخارجية البريطانية في ليلة محادثات فيينا للطرف الذي بذل كل جهده منذ اليوم الأول لعرقلة التوقيع على الاتفاق النووي وتقويضه، ولا يزال يمثل المعارض الرئيسي للمحادثات وإحياء الاتفاق النووي؛ تظهر أن بعض الدول الأوروبية تفتقر إلى الإرادة اللازمة في محادثات إلغاء العقوبات في فيينا. ليس هذا فحسب، بل تسعى إلى إطالة أمد المحادثات بهدف منع تنفيذ الاتفاق النووي".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- الموقف البريطاني المتشدد تجاه حلفاء طهران:</strong> وهو ما بدا جلياً في القرار الذي اتخذته بريطانيا، في 26 نوفمبر الماضي، بتصنيف حركة حماس الفلسطينية –بشقَّيْها السياسي والعسكري– تنظيماً إرهابياً، بموجب القانون الذي تم تمريره في مجلسي العموم واللوردات. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هذا القرار فرض مزيداً من الضغوط على حركة "حماس"؛ ليس بسبب التأثير الإجرائي لذلك على الجناح السياسي، بل أيضاً لعرقلته وصول مزيد من المساعدات الإنسانية التي يمكن أن تُقدَّم لقطاع غزة، ولا يتم ذلك إلا بالتنسيق مع حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع. وقد نددت إيران بهذا القرار، واعتبرته مؤشراً على أن بريطانيا تسعى إلى فرض قيود أشد على إيران والميليشيات الموالية لها في المنطقة بصفة عامة، خاصةً في ضوء التحفظات التي تبديها لندن على بعض الملفات الخلافية التي لم تمثل أحد محاور المفاوضات التي تجري في فيينا، على غرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول الأزمات، فضلاً عن برنامج الصواريخ الباليستية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- اتهام بريطانيا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية:</strong> دائماً ما توجه إيران اتهامات إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل بمحاولة تقويض نظام الحكم عبر دعم الاحتجاجات التي تشهدها إيران بين الحين والآخر لرفض الأوضاع المعيشية المتردية. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن إيران اتخذت خطوات إجرائية عقابية ضد بريطانيا بسبب تلك الاتهامات، على غرار احتجاز سفيرها لدى طهران روب ماكير بتهمة المشاركة في الاحتجاجات التي كانت إيران تشهدها في 12 يناير 2020 بسبب أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية قبل ذلك بأربعة أيام، والتي سقط فيها قتلى بريطانيون أيضاً؛ وذلك بالتوازي مع الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران ضد قاعدتين عراقيتين توجد بهما قوات أمريكية رداً على مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 من الشهر نفسه. وقد تم إبلاغ السفير خلال احتجازه بالاحتجاج على مشاركته في هذا التجمع الاحتجاجي ضد النظام، وهو ما رد عليه الأخير بأنه كان مدعواً لحضور فعالية لتأبين ضحايا الطائرة، ومنهم بريطانيون، ولم يشارك في احتجاجات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توتر مستمر</span></strong></p>



<p><strong>على ضوء ذلك، يمكن القول إن التوتر سوف يبقى عنواناً رئيسياً للعلاقات بين إيران وبريطانيا، بصرف النظر عما سوف تؤول إليه المفاوضات التي تجري في فيينا حول الملف النووي، وتوقفت لمدة أسبوع من أجل الحصول على قرارات سياسية من العواصم؛ إذ إن شكوك إيران لا تزال قائمة دون تغيير في أن بريطانيا تتبنى سياسة مناوئة للنظام السياسي الحاكم، ولن تغيرها ما لم يتغير هذا النظام خلال المرحلة القادمة.</strong></p>

      

لماذا تتخذ بريطانيا موقفاً أكثر تشدداً تجاه إيران؟