إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>شكلت التوترات وأعمال العنف التي شهدها عدد من المدن السويدية، خلال شهر أبريل الجاري، على خلفية قيام اليميني المتطرف "راسموس بالودان" بحرق المصحف الشريف، تقويضاً لفرضية "النموذج السويدي الآمن"؛ إذ كان يُنظر إلى السويد عبر عقود كدولة مستقرة تمثل نموذجاً للتعددية الثقافية والمجتمعية، والتي تتسم بدرجة هائلة من الرفاهية والاستقرار الداخلي. فقد كشفت التوترات الأخيرة عن توسع نشاط اليمين المتطرف داخل السويد، ضمن مرحلة من تصاعد النشاط اليميني في أكثر من دولة أوروبية على مدار السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات جوهرية حول تأثير هذا النشاط على الاستقرار والأمن المجتمعي والتعايش بين مكونات المجتمع في السويد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">استفزازات اليمين</span></strong></p>



<p><strong>مع تصاعُدِ نشاط تيار اليمين المتطرف في السويد، برز نشاط السياسي الدنماركي السويدي "راسموس بالودان"، وما تميز به هذا النشاط من عنصرية مستفزة لمشاعر المسلمين، حيث أضحى "بالودان" يمثل الرقم الأهم في معادلة الصدام مع المسلمين داخل السويد، وهو الأمر الذي يرتبط بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– اعتزام خوض الانتخابات التشريعية: </strong>يعتزم زعيم حزب (Stram Kurs – الخط المتشدد)، راسموس بالودان، الترشح للانتخابات التشريعية السويدية في سبتمبر المقبل. وفيما لا يمتلك "بالودان" العدد اللازم من التوقيعات لتأمين ترشيحه رسمياً، فإنه يسعى إلى القيام بجولات ميدانية في المقاطعات السويدية، لحشد المزيد من المؤيدين. ولا يمكن إغفال أن هذه المساعي في حال نجاحها ستكون لها تداعيات سلبية على المسلمين المتواجدين في السويد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>–</strong> <strong>محاولة استفزاز مشاعر المسلمين: </strong>لا يتوقف نشاط اليمين المتطرف في السويد، على بُعد السياسات أو المطالب المتعلقة بالهجرة وغير ذلك؛ إذ إن ما يعمق الإشكالية السويدية هو قصد استفزاز مشاعر المسلمين في البلاد، مما يعزز من حالة الشحن والغضب المجتمعي. وفي هذا الإطار، أكد رئيس حزب "الألوان المختلفة" السويدي، ميكائيل يوكسال، أن "بالودان" يواصل استفزازاته بحرق القرآن بمدن سويدية مختلفة تحت حراسة شرطية مشددة، وأنه يختار على وجه الخصوص المناطق المكتظة بالمسلمين لتنفيذ استفزازاته.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– امتداد الاستفزازات إلى الدنمارك: </strong>برز "بالودان"، الذي يحمل الجنسيتين الدنماركية والسويدية، في الدنمارك من خلال مظاهراته المناهضة للإسلام والمسلمين، والرافضة للهجرة، وذلك في المناطق التي تضم مجموعات كبيرة من الأقليات العرقية. واعتاد على الدعوة إلى حرق القرآن. ويحاول "بالودان" التشبيك بين نشاطه اليميني المتطرف في الدنمارك والسويد، حيث يقيم دعايته السياسية في الدنمارك، ويبرر نشاطاته في البلاد على أساس أن سياسة الهجرة السويدية تشكل تهديداً للدنمارك. فيما يحاول "بالودان" توظيف نشاطه الأخير في السويد للاستفادة منه في البلدين، حيث يسعى من خلال نشاطه والدعوات للتظاهرات في السويد إلى إقناع الناخبين الدنماركيين بتأييد الخطاب اليميني المتطرف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– امتلاك تاريخ عنصري سابق: </strong>يمتلك "راسموس بالودان" تاريخاً سلبياً فيما يتعلق بالكراهية والعنصرية تجاه المسلمين، حيث سبق وأُدين جنائياً في الدنمارك بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية، ومُنع من دخول بلجيكا لمدة عام. وقد حاولت السلطات السويدية، في عام 2020، منعه من دخول البلاد على خلفية تظاهرات مناهضة للإسلام والمسلمين ودعوات لحرق القرآن في مدينة "مالمو"، بعد إصدارها قراراً بمنعه من دخول البلاد لمدة عامين. ولم يتوقف الأمر آنذاك عند حظر دخول "بالودان"، بل تطور أيضاً كما هو الحال هذه المرة إلى صدامات عنيفة بين الجالية المسلمة وأنصار اليمين المتطرف. كما سبق وطُرد "بالودان" من فرنسا بعدما أشار إلى نيته حرق مصحف في باريس.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– عجز حكومي عن منع "بالودان":</strong> رغم أن الحكومة السويدية سبق وقررت منع دخول السياسي الدنماركي "راسموس بالودان" إلى أراضيها لمدة عامين، ومنعته من دخول البلاد على خلفية الدعوات إلى تظاهرات في السويد في أغسطس 2020، وذلك تخوفاً من نقل أنشطته المتطرفة إلى السويد؛ إلا أنه قد أعلن حينها عن تقدمه بطلب للحصول على الجنسية السويدية من خلال سفارة السويد في كوبنهاجن، مشيراً الى أنه يتمتع بحق الحصول على الجنسية لأن والده من أصل سويدي. وبعدما تم منحه الجنسية السويدية في أكتوبر 2020، أصبح منعه من دخول البلاد باطلاً، وبات يتمتع بحقوق المواطنة السويدية، بل ويدعو الآن إلى أنشطته في السويد ويقيمها تحت رعاية وحماية الشرطة السويدية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– استغلال تعثر سياسات الدمج</strong>: استقبلت السويد عام 2015 ما يزيد على 163 ألف لاجئ، قبل أن تعمل على تشديد سياستها الحدودية، بسبب ما لاحظته من صعوبات في تطبيق سياسات الدمج. ووفقاً لما تذكره بعض التقارير، فإن المهاجرين الجدد يتجمعون في مناطق يغلب عليها طابع المهاجرين، وهو الأمر الذي يستغله تيار اليمين المتطرف بالسويد في خطابه المناوئ للهجرة، باعتباره مؤشراً على ما يعتبره هذا التيار "تعثراً" في تطبيق سياسات الدمج، وعلى صعوبة دمج وانخراط اللاجئين والمهاجرين في المجتمع السويدي وفي سوق العمل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تهديدات التطرّف</span></strong></p>



<p><strong>يستدعي تزايد نشاط اليمين المتطرف في السويد بشكل عام، والنشاط العنصري الاستفزازي مثل ذلك الذي يقوم به "بالودان" بشكل خاص، عدداً من المخاطر الرئيسية بالنسبة للسويد وأمنها الداخلي، ويمكن تناول أهم هذه المخاطر فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– مخاوف انتشار عدوى التوترات المجتمعية:</strong> مقابل التظاهرات التي دعا إليها "راسموس بالودان" واعتزامه وأنصاره من اليمينيين المتطرفين حرق القرآن الكريم، فإن ثمة تخوفات من أن تتسبب تلك التظاهرات في انتشار عدوى التوترات المجتمعية في السويد. وقد عبرت عن ذلك بوضوح قائدة شرطة "مالمو"، بيترا ستينكولا، بقولها: "أحياناً يكون القلق الاجتماعي معدياً"، معتبرة أن الأحداث التي جرت في الأيام الماضية قد تكون "أطلقت شرارة تأجيج الأوضاع"، خاصةً في ظل الغضب الإسلامي المقابل في المجتمع السويدي من تلك الممارسات والدعوة إلى تظاهرات احتجاجاً على تحركات "بالودان".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– تزايد معدل الجريمة جراء أعمال الشغب:</strong> وفقاً للبيانات الأمنية السويدية الرسمية، فإنه قبل بدء المظاهرة التي دعا إليها "بالودان" في "لينشوبينج"، في 14 أبريل الجاري، اندلعت أعمال شغب في المنطقة. واستمرت أعمال الشغب في التصاعد بعدة مناطق خلال عطلة "عيد الفصح". وبحسب البيانات الحكومية، أُصيب 26 ضابط شرطة، وتضررت 20 سيارة شرطة، وأُصيب 14 مدنياً. فيما تم القبض على أكثر من 40 شخصاً، وشارك حوالي 200 شخص في أعمال الشغب. وأشارت الشرطة إلى أن "المتورطين لديهم صلات بشبكات إجرامية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– الإضرار بالسمعة السياسية للسويد:</strong> لطالما عُرفت السويد بالتسامح والتعايش المشترك، وتميزت بالهدوء والسلام المجتمعي. بيد أن تلك الاشتباكات والتصرفات العنصرية تثير تساؤلات متصاعدة عن المستوى غير المسبوق الذي وصلت إليه مشاعر الكراهية والتطرف في السويد، وهو ما يؤثر سلبياً على السمعة السياسية التي اكتسبتها السويد، ويضر بها، مما يُفقد استكهولم إحدى أبرز مزاياها ونقاط قوتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– التشكيك في قدرات القوات الأمنية: </strong>تنال أعمال العنف والاشتباكات المتبادلة من سمعة القدرات الأمنية السويدية، خاصةً مع توظيف ذلك من قبل الأطراف السياسية. فعلى سبيل المثال، رغم تخطيط "بالودان" وحزبه "سترام كورس" لمظاهرة في "نوركوبينج"، في 17 أبريل الجاري، لكنه لم يحضر إلى المدينة، وأعلن عبر صفحة الحزب على "فيسبوك" أنه قرر إلغاء المظاهرات لأن السلطات السويدية في المنطقة أظهرت أنها غير قادرة تماماً على حماية نفسها وحمايته، على حد تعبيره.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– اتساع دائرة مناهضي سياسة الهجرة:</strong> يساعد تنامي نشاط اليمين المتطرف في السويد على اتساع دائرة مناهضي سياسة الهجرة، ومدى تقبّل السويديين للمهاجرين، باعتبار أن الأحزاب والقوى السياسية اليمينية المتطرفة الممثلة في البرلمان تعمل على تمرير تشريعات تتوافق مع سياسات اليمين المتطرف، وأن تلك القوى غير الممثلة برلمانياً تستطيع بث مشاعر الكراهية والعداء للمهاجرين عير رسائلها الدعائية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالرجوع إلى انتخابات 2018، فقد وصف البعض حصول حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتطرف على 18% من الأصوات في تلك الانتخابات، بأنه "يجعل العنصرية أكثر قبولاً في المجتمع السويدي"، وذلك باعتباره حزباً سياسياً ممثلاً في البرلمان، وله القدرة على ترويج مشاعر الكراهية والعداء، ورعاية أفكار اليمين المتطرف. وقد ساهم تسارع معدلات الهجرة في السنوات الأخيرة، مع الضغط الذي شكله الحزب وغيره من قوى اليمين المتطرف، في تبني بعض القوى والأحزاب السياسية الكبرى خطاباً يدعو إلى تقييد الهجرة بدرجات مختلفة، لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية. فضلاً عن تزايد معدلات الاعتداءات التي تتسم بطابع عنصري ضد المسلمين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– التحوّل إلى نهج متطرف أكثر عنفاً:</strong> عمل تيار اليمين المتطرف بالسويد في السنوات الأخيرة على تبني سياسة تجنب الأعمال العنيفة حتى لا تؤثر على الفرص السياسية والانتخابية للأحزاب اليمينية. ولذلك ركز على الأبعاد السياسية والانتخابية والدعائية، والتعامل من منطلق أنه تيار سياسي يحمل أطروحات سياسية مختلفة للتعاطي مع "مشكلات السويد"، تختلف عن سياسات الدمج واستقبال المهاجرين وشمولهم بالرعاية الاجتماعية. مع السعي لترويج دعايته السياسية لجذب المواطنين سياسياً والحصول على أصواتهم انتخابياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>إلا أن بروز نشاط يميني أكثر استفزازاً لمشاعر المهاجرين، يتعمد إهانة المقدسات الإسلامية، يمثل متغيراً جديداً قد يمهد الطريق نحو بروز تيار متطرف عنيف يتجاوز البعدين السياسي والعنصري الاستفزازي. حيث قد يُحفّز هذا السياق على بروز حركات متطرفة يمينية عنيفة في السويد، وتنفيذها عمليات إرهابية ضد المسلمين والمهاجرين في دولة كانت بمنأى عن مثل هذا النشاط العنيف والإرهابي إلى حدٍ كبير. وعلى الجانب الآخر، قد يطرح النشاط المستفز لـ"بالودان" واليمين المتطرف في السويد، فرصاً لنشاط تنظيمات التطرف العنيف الإسلامية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">طموحات سياسية</span></strong></p>



<p><strong>في التحليل الأخير، يبدو أن اليمين المتطرف سيحاول تعزيز حضوره في السويد في الفترة القادمة، إذ يركز على المسار الانتخابي والسياسي، حيث يأمل في الاستفادة من معارضة بعض القطاعات لموجة الهجرة، في ظل الضغوط الاقتصادية المرتبطة بتداعيات جائحة (كوفيد-19). ولطالما برز في هذا السياق حزب "ديمقراطيو السويد" الذي يُسوّق نفسه كحزب مناهض للهجرة، وأصبح لاعباً رئيسياً في البرلمان السويدي. ووفق ما تذكره تقارير، فإن القاعدة الانتخابية للحزب تتكون من طبقة عاملة قوية، وشرائح متزايدة من الطبقة الوسطى ممن تضرروا من تدفق المهاجرين، وتصاعد معدلات الجريمة، وتراجع كفاءة الخدمات الاجتماعية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ولكن هذه الطموحات تثير تساؤلات عديدة حول مستقبل التعايش المجتمعي في السويد، وكيفية تفاعل القوى المعتدلة مع خطاب اليمين المتطرف وقدرتها على استغلال ما جرى في الأيام الماضية من أجل تقويض الطموحات السياسية للتيار اليميني، ولعل هذا ما دلّلت عليه تصريحات رئيسة الحكومة السويدية "ماجدالينا أندرسون" التي عبّرت عن صدمتها من الأحداث الأخيرة والاشتباكات العنيفة، وقالت إن "ردود الأفعال هذه هي بالضبط ما يبحث عنه راسموس بالودان".</strong></p>

      

كيف يُهدد اليمين المتطرف الأمن المجتمعي في السويد؟