كرم سعيد


        
<p><strong>عادت أجواء التوتر إلى مسار العلاقات التركية الصينية أواخر أكتوبر 2021، بعد توقيع تركيا على بيان في الأمم المتحدة يدين الممارسات العنصرية ضد أقلية مسلمي الإيجور في إقليم تركستان الشرقية، وكذلك عودة الحملات الإعلامية التركية الداعمة لأنشطة وتحركات الإيجور. وتفاقمت مساحات التوتر بين البلدين بعد إدانة مندوب الصين في مجلس الأمن الدولي، نهاية أكتوبر الماضي، العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا. والأرجح أن التوظيف التركي لملف الإيجور لا ينفصل عن مساعي أنقرة إلى مغازلة القوى الغربية، ولا عن المنافسة التركية الصينية في آسيا الوسطى، إضافة إلى حسابات ترتبط بالداخل التركي وتوازناته الانتخابية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات كاشفة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ثمة العديد من المؤشرات التي تبدو كاشفة عن استمرار التوتر المكتوم بين بكين وأنقرة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– توقيع تركيا على بيان إدانة للانتهاكات ضد الإيجور:</strong> قامت أنقرة في 28 أكتوبر 2021 بالتوقيع على بيان مع 42 دولة في الأمم المتحدة يندد بالانتهاكات الصينية الواسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيجور المسلمة في إقليم تركستان الشرقية. وأكد البيان المدعوم من تركيا أن هناك تقارير ذات مصداقية تشير إلى وجود شبكة كبيرة من معسكرات إعادة التثقيف السياسي؛ حيث تم اعتقال أكثر من مليون شخص على نحو تعسفي. وأعرب ممثلو الدول الموقعة على البيان عن القلق بوجه خاص بشأن الوضع في إقليم شينجيانج، وهو ما دفع الصين إلى حشد المواقف الدولية في مجلس الأمن لتمرير بيان مضاد.</p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تصعيد دبلوماسي من تركيا ضد السلطات الصينية:</strong> لم يكن الخلاف السابق بشأن الإيجور هو الأول من نوعه؛ ففي عام 2019 وصفت وزارة الخارجية التركية المعسكرات الصينية القسرية ضد الإيجور بأنها تمثل عاراً على الإنسانية. وفي أبريل الماضي، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الصيني في العاصمة أنقرة؛ وذلك للاحتجاج على استهداف السفارة الصينية مسؤولين من أحزاب المعارضة التركية بعد انتقاداتهم للسياسات القمعية التي تتبعها الصين ضد أقلية الإيجور. وقد دعمت جميع الحكومات التركية النزعة الانفصالية للإيجور. ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، اتخذ الحزب موقفاً صارماً تجاه ممارسات السلطات الصينية ضد الأقلية المسلمة في إقليم تركستان الشرقية الذي تسيطر عيه بكين منذ عام 1949.</p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– شد وجذب بين الدولتين بخصوص الأزمة السورية:</strong> صدرت في نهاية أكتوبر الماضي تصريحات وتصريحات مضادة بين ممثلَيْ تركيا والصين في مجلس الأمن الدولي، على هامش جلسة كانت مخصصة لمناقشة آخر تطورات القضية السورية. واتهم ممثل الصين حكومة تركيا بأنها تحتل أجزاء من شمال شرق سوريا على نحو غير قانوني، كما اتهم أنقرة بأنها تقطع المياه عن المدنيين في مناطق مختلفة شمال سوريا. ووصل التوتر ذروته مع دعوة الصين المجتمعَ الدولي إلى ضرورة الضغط على أنقرة لوقف تدخلاتها العسكرية في الشمال السوري، والامتثال للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.<strong></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– إصرار الصين على دعم بعض خصوم أنقرة:</strong> بالتوازي مع ما سبق، فثمة سأم تركي–صيني متبادل إزاء سلوكيات كل منهما؛ فبينما تُبدي تركيا امتعاضها من إصرار بكين على الاستمرار في دعم خصوم أنقرة؛ حيث تتجه الصين نحو تعزيز علاقاتها بأرمينيا، ناهيك عن توظيف حضورها في الهياكل والمؤسسات الدولية لتثبيت شرعية الرئيس السوري؛ ففي المقابل، ثمة إدراك صيني بعدم القدرة على التأثير في القرار السياسي التركي بسبب انتماء تركيا إلى حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها القوية بالقوى الغربية، وخاصةً واشنطن، برغم تصاعد الملفات الشائكة بينهما في المرحلة الراهنة.<strong></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">موازنة الضغوط</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>يكشف التوتر التركي الصيني الأخير، الذي يأتي في سياق بيئة دولية تتسم بالتعقيد والتداخل، عن دلالات عدة، يمكن بيانها على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– مغازلة تركيا للإدارة الأمريكية لدعم مصالحها:</strong> إن توقيت هذا الخلاف، وإعادة تركيا تصدير الانتهاكات الصينية ضد الإيجور في المنصات الأممية، يشير إلى رغبة تركيا في ترطيب العلاقة مع الولايات المتحدة، خاصةً أن ثمة ضغوطاً داخل الكونجرس الأمريكي لدفع إدارة بايدن نحو عدم بيع طائرات إف–16 المقاتلة لتركيا. وفي رسالة إلى بايدن ووزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في 26 أكتوبر الماضي، أبدى 11 عضواً بمجلس النواب "شعوراً عميقاً بالقلق بشأن اجتماعات تركية أمريكية جرت مؤخراً حول شراء تركيا 40 طائرة إف–16 جديدة من إنتاج لوكهيد مارتن، و80 من معدات التحديث للطراز نفسه". وترى أنقرة أن الابتعاد خطوة عن الصين، في هذا التوقيت الذي يشهد توتراً لا تخطئه عين بين واشنطن وبكين، بسبب الدعم الأمريكي لتايوان، وتوسيع إدارة بايدن أيضاً من انتشار قواتها العسكرية البحرية في المياه المجاورة للصين، بما في ذلك مضيق تايوان؛ سيساعد على تحسين العلاقات التركية–الأمريكية مجدداً، خاصةً بعد لقاء الرئيس التركي نظيره الأمريكي على هامش قمة المناخ مطلع نوفمبر الحالي. إذ أن اتجاه أنقرة نحو تفكيك تحالفها مع الصين يحمل رسالة مغازلة إلى واشنطن التي يمكن عبر صفقات مع دول حليفة أن تلعب دوراً، سواء في إنقاذ الاقتصاد التركي من عثراته، أو توفير مظلة سياسية لدعم المصالح التركية في مناطق نفوذها، وخاصةً في سوريا وليبيا ومنطقة القوقاز.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– المنافسة التركية–الصينية في مناطق النفوذ:</strong> لا ينفصل التوتر التركي–الصيني، في جوهره، عن المنافسة الإقليمية بينهما في مناطق النفوذ، وخاصةً في آسيا الوسطى؛ حيث تواجه تركيا في محاولتها لعبَ دور على الأرض في أفغانستان وأذربيجان والجمهوريات الناطقة بالتركية؛ منافسة إقليمية من قبل دول أخرى، وعلى رأسها الصين؛ فالصين أبدت استعداداتها للاستثمار اقتصادياً في أفغانستان من أجل ضمها إلى مشروع "الحزام والطريق" الصيني، واستغلال ثرواتها المعدنية، وخصوصاً النحاس والليثيوم، وهو الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الدور التركي. <strong></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويرى الرئيس أردوغان وحلفاؤه القوميون في الحكم، أن الصين تمثل تحدياً لتوسيع نفوذ أنقرة في وسط آسيا، كما أن التقديرات الأمنية والسياسية التركية، ترى أن بكين تعمل منذ سيطرة طالبان على أفغانستان على تحسين العلاقات معها، بهدف محاصرة نفوذ القوى الإقليمية، وخاصةً تركيا، كما أن الوجود الصيني في آسيا الوسطى، التي تمثل الفناء الخلفي لتركيا، تهديد استراتيجي للمصالح التركية.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– </strong><strong>استعادة زخم شعبية الرئيس أردوغان داخلياً:</strong> يرتبط التصعيد التركي مجدداً في مواجهة الممارسات الصينية ضد أقلية الإيجور بمساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لمعالجة التراجع الحادث في شعبيته في الداخل التركي، بعد الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية التي زادت وطأتها في ظل وباء فيروس "كورونا"، فضلاً عن المردود السلبي للتدخلات الخارجية التركية في أزمات الإقليم. ومن ثم فإن إعادة توظيف مظلومية الإيجور توفر بيئة خصبة لاستعادة زخم شعبية الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية في أوساط قواعد المحافظين قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في 2023.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، يمكن القول إن الحسابات التركية الراهنة تجاه العلاقة المتوترة مع الصين بسبب ملف الإيجور، قد لا تتجاوز حدود تحقيق مكاسب سياسية آنية، أو ترتبط بموازنة الضغوط الغربية على أنقرة. وتعي تركيا أهمية الصين لها من الناحية الاقتصادية؛ حيث تعد الصين الشريك التجاري الثاني لتركيا في الاستيراد بعد روسيا. وفي الأعوام السابقة، تطورت العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ ففي عام 2018 قدمت الصين قرضاً بقيمة 3,6 مليار دولار لتركيا لتجاوز أزمة انخفاض عملتها الوطنية، كما استثمرت السلطات الصينية، على مدى السنوات الثلاثة الماضية، نحو ثلاثة مليارات دولار في السوق التركية؛ وذلك بالإضافة إلى وجود أكثر من ألف شركة صينية تعمل في تركيا.</strong></p>

      

لماذا تصاعد التوتر مجدداً بين تركيا والصين؟