محمد الفقي


        
<p>ثمة مجموعة من الأبعاد الرئيسية التي يمكن توضيحها فيما يتعلق بالعملية الأمريكية الخاصة بتصفية زعيم تنظيم داعش "عبد الله قرداش"، في شمال غرب سوريا؛ يأتي على رأسها أن طريقة التصفية تمت عبر نمط غير شائع في مواجهة الإرهابيين، وهي طريقة إنزال القوات الخاصة. ويحمل توقيت الاستهداف علامات استفهام، من ناحية أن استهداف زعيم داعش جاء بعد أيام من محاولة اقتحام تنظيم داعش سجنَ غويران في شمال شرق سوريا. ويشير هذا الأمر إلى احتمالين؛ أولهما أن الولايات المتحدة كانت تجهز لعملية استهداف "القرشي" قبل فترة، وانتهزت الفرصة للتنفيذ عقب اقتحام السجن، وثانيهما أن الولايات المتحدة تحققت من المعلومات التي لديها بشأن موقع زعيم داعش بسرعة، اعتماداً على تنسيق مع بعض الأطراف الفاعلة. وتعد المنطقة التي استهدفت فيها القوات الأمريكية زعيم التنظيم، ذات طبيعة خاصة، وتثير الشكوك؛ حيث تسيطر عليها جماعات مسلحة متطرفة مثل هيئة تحرير الشام بقيادة "أبو محمد الجولاني"، وهي منطقة قريبة من الحدود مع تركيا. وتستهدف العملية تحسين صورة الاستراتيجية الأمريكية ضد الإرهاب؛ وذلك بعد تضرر هذه الصورة في الفترة الأخيرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عملية نوعية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، في 3 فبراير 2022، مقتل زعيم تنظيم داعش "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، المعروف أيضاً بـ"عبد الله قرداش"، في عملية عسكرية تضمنت إنزال قوات خاصة أمريكية في شمال غرب سوريا، وتحديداً في أطمة بمحافظة إدلب القريبة من الحدود التركية. وتولى "أبو إبراهيم القرشي" قيادة تنظيم داعش عقب مقتل سلفه "أبو بكر البغدادي" عام 2019 في سوريا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دلالات متداخلة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويمكن الوقوف على أبعاد العملية العسكرية لاستهداف "القرشي"، بعيداً عن جدلية فاعلية الاستراتيجية الأمريكية لـ"قطع رأس القيادة" في مكافحة الإرهاب والتمرد المسلح، من خلال ما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تبني نمط عملياتي غير شائع في مواجهة الإرهابيين:</strong> نفذت القوات الأمريكية عملية إنزال لقوات خاصة، وهو نمط من العمليات ليس شائعاً في مواجهة التنظيمات الإرهابية؛ إذ تكتفي الولايات المتحدة باستخدام الطائرات من دون طيار، لكن في حالات محدودة، وبحسب الوقائع السابقة، فإن هذا النمط من العمليات يرتبط في الأساس باستهداف قيادات ذات قيمة كبيرة، خاصةً أن استهداف "أبوبكر البغدادي" وزعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، كان عن طريق إنزال قوات خاصة أمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية الإنزال في هذه الحالات ترتبط بأمرين: أولهما أولوية اعتقال الهدف لا قتله؛ لما قد يوفره ذلك من معلومات تساعد في مواجهة التنظيم الإرهابي، بالإضافة إلى القيام بعمليات تفتيش لمقر إقامته والحصول على ملفات أو أجهزة إلكترونية للمساهمة في تفكيك الشبكة الإرهابية، وثانيهما أنه في حال مقتل الهدف خلال الاشتباكات، يكون هناك تأكيد فوري لمقتله، دون الحاجة إلى انتظار تأكيد المتعاونين الميدانيين، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الأمريكية أنه تم التأكد من مقتل "القرشي" بناءً على بصمته وتحليل الحمض النووي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– مفارقة الاستهداف عقب اقتحام سجن غويران:</strong> يحمل توقيت الاستهداف علامات استفهام، من ناحية أن استهداف زعيم "داعش" جاء بعد أيام من محاولة التنظيم اقتحام سجن غويران في شمال شرق سوريا. أما عمليات الإنزال لاستهداف القيادات الكبرى في التنظيمات الإرهابية فكانت عقب عمليات رصد موسعة باستخدام الوسائل الإلكترونية والاستطلاعية، بالإضافة إلى عمليات استطلاع وتأكيدات ميدانية من قبل متعاونين مع القوات الأمريكية وأجهزة الاستخبارات، للتحقق من المعلومات أولاً، ولضمان عدم تعريض القوات الأمريكية لخطر مواجهة موسعة خلال عمليات الإنزال ذاتها أو خلال تنفيذ العملية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وهنا تجدر الإشارة إلى حدوث عملية إنزال أمريكية في اليمن خلال عام 2017، لكنها لم تحقق نجاحاً في الأهداف الموضوعة في ظل قصور في الدعم المعلوماتي والاستخباراتي المقدم. وفي ضوء المعلومات المحدودة التي أفرجت عنها الولايات المتحدة حول العملية العسكرية؛ فإن علامات الاستفهام تتعلق بالمدى الزمني القصير بين اقتحام السجن واستهداف زعيم داعش.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويشير هذا الأمر إلى احتمالين: أولهما أن الولايات المتحدة كانت تجهز لعملية استهداف "القرشي" قبل فترة، وانتهزت الفرصة للتنفيذ عقب اقتحام السجن، وثانيهما أن الولايات المتحدة تحققت من المعلومات التي لديها بشأن موقع زعيم داعش بسرعة، اعتماداً على تنسيق مع بعض الأطراف الفاعلة. وهنا يمكن الإشارة إلى تصريح المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية "يحيى رسول" بأن جهاز المخابرات الوطني العراقي قدم للتحالف الدولي ضد داعش معلومات ساعدت على تحديد مكان زعيم التنظيم وقتله.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– إثارة منطقة اختباء زعيم داعش شكوكاً عديدة:</strong> تعد المنطقة التي استهدفت فيها القوات الأمريكية زعيم التنظيم، ذات طبيعة خاصة، وهي أطمة التي تقع في نطاق محافظة إدلب والتي تسيطر عليها جماعات مسلحة متطرفة مثل هيئة تحرير الشام بقيادة "أبو محمد الجولاني"، وهي منطقة قريبة من الحدود مع تركيا. وتلك المنطقة قريبة من قرية باريشا التي كان يختبئ بها زعيم التنظيم السابق "أبو بكر البغدادي"؛ ما يعكس عدداً من الدلالات؛ أولها أن عدداً كبيراً من قيادات داعش استقرت في نطاق محافظة إدلب بعد هزيمة التنظيم ميدانياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتتمثل الدلالة الثانية في أن اختيار المناطق القريبة من الحدود التركية، ربما يرتبط بإمكانية التسلل إلى الداخل التركي حال صعوبة الاستمرار في إدلب، وفقاً لطبيعة الأوضاع الأمنية والميدانية. وهنا يمكن الإشارة إلى إقدام تركيا على اعتقال عدد من عناصر داعش خلال الشهرين الماضيين، وربما يكون بعضهم قد تسلل حديثاً. فيما تتمثل الدلالة الثالثة في عدم قدرة هيئة تحرير الشام على بسط سيطرتها الفعلية على إدلب التي تخضع لسيطرتها، أو ربما تُسهل الهيئة نقل المعلومات عن تحركات تنظيم داعش، خاصةً مع الاتهامات التي طالت قيادات الهيئة بالإبلاغ عن البغدادي من قبل عناصر داعش عبر منصات التواصل الاجتماعي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحسين صورة الاستراتيجية الأمريكية ضد الإرهاب:</strong> يمكن النظر إلى عملية استهداف زعيم داعش في إطار الأبعاد السياسية المرجوة من ورائها، خاصةً عقب اقتحام عناصر التنظيم سجن غويران، والتداعيات التي لحقت بهذه المحاولة من إظهار بعض جوانب الضعف في قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وقلة الدعم الأمريكي لمواجهة تنظيم داعش، مع أخذ التقديرات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص في الاعتبار، التي تمحورت حول فكرة أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية احتوائية لا استئصالية للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا على وجه التحديد، ومن ثم فإن إعلان "بايدن" عن مقتل "القرشي" –وهو دأب الإدارات الأمريكية المتعاقبة– يستهدف تحسين صورة الولايات المتحدة، ويرسخ فكرة أن الرئيس يعلن حصريّاً عن مقتل زعماء التنظيمات الإرهابية البارزة، مع الإشارة إلى تأكيد استمرار جهود مواجهة الإرهاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد انقسمت الآراء حول المكاسب المحتملة التي قد يجنيها "بايدن" من هذه العملية إلى اتجاهين؛ حيث رأى البعض أن "بايدن" سيستفيد سياسيّاً من هذا الأمر على أصعدة مختلفة، وأشاروا إلى أن الرئيس الأمريكي يحاول لملمة تداعيات الانسحاب من أفغانستان، لتوجيه رسالة فحواها أن بلاده قضت على رأس الإرهاب، على أمل أن يساعد ذلك الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. فيما يرى فريق آخر أن "بايدن" لن يحقق أي مكاسب، على اعتبار أنه من المفترض أن تكون القضية مرتبطة بسياسة أمريكية وألا تتعلق بأي رئيس للبلاد، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، وأن استهداف قادة التنظيمات الإرهابية وملاحقتهم من المفترض أن يتم في جميع الأوقات، وألا ينتظر القضاء على الإرهاب مناسبة سياسية، مثل الانتخابات، ليقوم بها الرئيس الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">معضلة الخلافة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وأخيراً، فإن حدود تأثير استهداف زعيم تنظيم داعش في سوريا، لا يرتبط بطبيعة الشخصية فقط، بل أيضاً بمن يخلفه. وبوجه عام، فإن تأثيرات مقتل "القرشي" لن تتعدى تأثيرات مقتل سلفه "أبو بكر البغدادي"؛ إذ إن الأول لم يظهر منذ توليه قيادة التنظيم، بخلاف "البغدادي" الذي كان يسميه عناصر التنظيم "الخليفة" في وقت كان يسيطر فيه على مساحة واسعة من الأراضي في سوريا والعراق على وجه التحديد، ولكن لا يعني هذا إغفال دور "القرشي" في قيادة التنظيم في لحظات فارقة، كانت يمكن أن تؤدي إلى انفراط التنظيم، لكنه ظل متماسكاً على مستوى بعض الأفرع في إفريقيا وخراسان، وأخيراً يمكن ملاحظة تصاعد العنف في نطاق نفوذه التقليدي في سوريا والعراق.</strong><strong></strong></p>

      

ما الأبعاد الرئيسية لعملية استهداف زعيم داعش في سوريا؟