إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>اعتبرت إيران رحيل رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان عن السلطة يوم 9 أبريل 2022، "انتكاسة إقليمية" لسياستها الخارجية في ظل تيار من التحولات الجديدة في محيطها والعالم لا يبشر بحصد طهران كثيراً من المكاسب السياسية خلال الأيام القادمة؛ فقد كانت توجُّهات رئيس الوزراء الباكستاني السابق خارجياً بوجه عام متوائمة إلى حدٍّ ما مع نظيرتها الإيرانية؛ ما أشعل الغضب في طهران من تركه السلطة، حتى ذهبت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام في طهران إلى وصف هذا الرحيل بأنه "مؤامرة" خارجية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويمكن إدراك مدى "التحالف النظري الوثيق" بين إيران وحكومة عمران خان السابقة، وأيضاً عدم الارتياح الإيراني لرحيله وتنصيب شهباز شريف محله، من خلال مطالعة وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية، وما تناولته بشأن هذه التطورات؛ حيث أوضح هذا – بلا شك – أن حجب الثقة عن خان قد مثَّل خسارة للحكومة الإيرانية المحافظة على وجه الخصوص بزعامة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، ولنهج السياسة الخارجية الإيرانية بوجه عام؛ إذ ارتابت إيران لتنصيب شريف، وحاولت – ولا تزال – كسب رضائه من خلال تهنئته السريعة على توليه منصبه، علاوة على التعبير عن "الأمل" في تعزيز التعاون المستقبلي بين إيران وإسلام أباد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحركات الخصوم</span></strong></p>



<p><strong>يمكن فهم أسباب القلق الإيراني من رحيل عمران خان وتنصيب شهباز شريف رئيساً جديداً للوزراء، في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تقارب "شريف" المحتمل مع الولايات المتحدة: </strong>كان رئيس الوزراء الباكستاني السابق غير مؤيد لتوثيق علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، ولطالما انتقد سياسات واشنطن في الإقليم، سواء في أفغانستان أو في بلاده؛ فقد دعا خان إلى رحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان، وطالب بإيقاف ضربات القوات العسكرية الأمريكية في بلاده، بل إنه حمَّل الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الأوضاع في أفغانستان والأزمات التي تعاني منها بلاده؛ حيث نَسَبَ الأخيرةَ إلى علاقات إسلام أباد الوثيقة وتحالفها مع واشنطن لسنوات طوال في مجال مكافحة الإرهاب. وبذلك، شهدت العلاقات الأمريكية–الباكستانية مزيداً من التدهور في عهد رئاسة خان لحكومة بلاده، بعد عقود من التحالف العميق بين البلدَيْن في الإقليم، لا سيما في مجال دعم المقاتلين في أفغانستان لمواجهة الوجود السوفييتي السابق في أفغانستان خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حيث توثَّق بشدة التعاون بين الجانبين على نحو غير مسبوق. <strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما مع تنصيب شهباز شريف رئيساً جديداً للوزراء، فإن الهواجس شرعت تُؤرِّق متخذي القرار في طهران بشأن هذه العلاقة على وجه التحديد؛ فمن المعروف أن شريف ينتمي إلى الرابطة الإسلامية في إسلام أباد ذات التوجهات اليمينية الوسطية التي تميل إلى توثيق التعاون والعلاقات مع الولايات المتحدة تحديداً، ولا تنحو المسار نفسه إزاء روسيا، على سبيل المثال، كما سيجري إيضاحه. وعليه، فإن طهران تنتظر في قادم الأيام مزيداً من العزلة الإقليمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تغيُّر السياسة الخارجية تجاه الصين وروسيا: </strong>على النقيض من توجُّه شهباز شريف لتقوية تعاون بلاده مع واشنطن، لا يبدو أن الأمر سوف يتكرر مع روسيا؛ وذلك للعديد من العوامل؛ يأتي على رأسها أن الحرب الروسية–الأوكرانية سوف تحصر خيارات رئيس وزراء باكستان الجديد إما في التعاون مع الولايات المتحدة أو مع روسيا.ونستطيع أن نرى داخل إيران، وتحديداً قبيل حجب الثقة عن خان وتنصيب شريف في 11 أبريل الجاري، كيف أن وسائل الإعلام في طهران قد وظَّفت هذا التنافر الأمريكي–الباكستاني المتزامن مع تقارب موسكو مع إسلام أباد؛ وذلك حين اتهمت الولايات المتحدة بالوقوف وراء عزل خان، ووصف بعضها هذا الزعم بأنه "مؤامرة للإطاحة به".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وربما تتجه باكستان، على ضوء ذلك، إلى خيار آخر، هو توثيق العلاقات مع الصين حليفها الإقليمي الأهم، وهو ما قد يخدم مصالح طهران التي قد تحاول بدورها الاستثمار في الخلافات المتصاعدة بين واشنطن وبكين خلال المرحلة القادمة، خاصةً أن الأخيرة تسعى إلى تقييم المسارات المحتملة للحرب الروسية–الأوكرانية لإدارة صراعاتها المحتملة مع الدول الغربية حول منطقة الإندوباسيفيك. وفي رؤية طهران، فإن ذلك سوف يكون الخيار الأكثر توافقاً مع مصالحها، خاصةً في ضوء تطلُّع الصين إلى تعزيز التعاون مع دول المنطقة في إطار تنفيذ مشروع "الحزام والطريق"، فضلاً عن أن توسيع نطاق العلاقات بين الصين وباكستان يبدو، في رؤيتها، أفضل من اتجاه الأخيرة نحو رفع مستوى تعاونها مع الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة. وقد كان لافتاً أن وسائل إعلام إيرانية أبرزت تصريحات لشريف أكد فيها أن العلاقات مع الصين "غير قابلة للانفكاك"، وأن باكستان تسعى إلى علاقات "متكافئة" مع الولايات المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- توسيع التعاون بين باكستان ودول الخليج العربي: </strong>تُوصَف العلاقات الباكستانية مع دول الخليج العربية بأنها "استراتيجية"؛ فقد كانت الإمارات والسعودية من أوائل الدول التي هنأت رئيس وزراء باكستان الجديد. ولا يأتي هذا منفصلاً عن طبيعة العلاقات القوية والاستراتيجية بين باكستان ودول الخليج العربي؛ فالرياض وإسلام أباد، على سبيل المثال، قد وثَّقتا منذ سنوات طوال تعاونهما على مستويات عدة اقتصادية وسياسية وعسكرية. ولم يَكُن رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان مؤيداً لتعزيز علاقات بلاده مع الرياض بشكل كبير، لكن رئيس الوزراء الجديد في إسلام أباد يُرحِّب بشدة بإحداث مثل هذا التعاون، وهو ما قد يتسبَّب بالطبع في بروز قلق إيراني؛ حيث إن طهران لا ترغب في تطوير مثل هذه العلاقات الثنائية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تفضيل إيران "اختبار نوايا" رئيس الوزراء الجديد: </strong>يمكن القول إن إيران سوف تحاول اختبار نوايا رئيس الوزراء الباكستاني الجديد في المرحلة القادمة. فقد كان لافتاً أنها سارعت، في 14 أبريل الجاري، إلى تهنئته على توليه منصبه، وأكد الرئيس إبراهيم رئيسي في رسالة التهنئة أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة دائماً لتعزيز التعاون مع جمهورية باكستان الإسلامية في جميع المجالات، حتى في المرحلة الجديدة"، معرباً عن أمله أن تؤدي المرحلة القادمة إلى المزيد من التعاون بين البلدَيْن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وربما يمكن القول إن ما يمكن أن يدفع إيران إلى تبني تلك السياسة هو أن شهباز شريف حرص على توجيه رسالتَيْن إيجابيتَيْن لها في الأيام الأخيرة؛ فقد وجَّه شهباز شريف، في 19 أبريل الجاري، دعوة رسمية إلى الرئيس رئيسي لزيارة إسلام أباد؛ وذلك في إطار الرد على رسالة التهنئة التي وجهها له. وربما يقوم رئيسي بهذه الزيارة فعلاً لاستشراف المسارات المحتملة للعلاقات بين طهران وإسلام أباد خلال المرحلة القادمة. كما كان لافتاً أن شريف حرص خلال استعراض الخطط التي ستعتمد عليها الحكومة الجديدة، على تأكيد اتجاهه نحو تعزيز العلاقات مع إيران؛ حيث قال في هذا الصدد: "ندعم تعزيز العلاقات مع الدولة الشقيقة والصديقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصةً في مجال التجارة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تراجع المكاسب</span></strong></p>



<p>خلاصة القولأن القلق والانزعاج الإيراني الحالي الذي لم يهدأ إثر تنصيب رئيس وزراء ولاية البنجاب السابق شهباز شريف، رئيساً لوزراء باكستان، ينبع في الأساس من تحوُّل تحالفات باكستان الخارجية خلال الأيام المقبلة في عهد شريف الذي لا يميل إلى تبني سياسات سلفه؛ حيث ستفقد إيران بذلك بعض المكاسب السياسية التي كانت تتمتع بها خلال عهد عمران خان. بل إن الحرب الروسية–الأوكرانية وصعود حركة "طالبان" إلى الحكم مؤخراً في أفغانستان، وحاجة إيران إلى شخصية مثل عمران خان في هذا التوقيت الحرج.. كل ذلك يرفع مستوى القلق الإيراني، كما قد يدفعها إلى محاولة "استرضاء" حكومة شهباز شريف.</p>

      

كيف تنظر إيران لرئيس وزراء باكستان الجديد؟