كرم سعيد

يواجه حزب الشعب الجمهوري أزمات مركبة في التوقيت الحالي، Nخرها فتح النيابة العامة في 10 فبراير 2025 تحقيقات بالفساد على خلفية شبهة وجود اتهامات بالرشوة وشراء الأصوات في المؤتمر العام للحزب عام 2023. وكشف وزير العدل التركي في 12 فبراير 2025 أن هذه الاتهامات تعود إلى نوفمبر الماضي، وأن من أثاروا هذه الادعاءات كانوا أعضاء من داخل الحزب. وربما يُشكل هذا الاتهام معضلة كبيرة للحزب الذي يقف على أعتاب انتخابات داخلية تمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي المقبل للحزب في الانتخابات المقبلة، سواء كانت مبكرة أو في موعدها المقرر 2028، بالإضافة إلى تأثير هذه الاتهامات على كفاءة الحزب في استعادة ثقة الناخبين والقواعد الشعبية لحزب الشعب الجمهوري، وإثبات قدرته السياسية على حشد المزيد من الأصوات والناخبين لهK. بينما تمثل هذه الأزمة فرصة للرئيس أردوغان الذي يسعى إلى توظيف الانقسامات داخل ثاني أكبر الأحزاب التركية؛ ما يعزز فرصه سواء في عملية تعديل الدستور أو تسهيل عبوره لولاية جديدة في الانتخابات المقبلة.مؤشرات الأزمةثمة العديد من المؤشرات التي تكشف عن الأزمة المركبة التي يعانيها حزب الشعب الجمهوري، والتي حملت في طياتها ارتدادات عكسية على موقعه السياسي، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:1– توجيه اتهامات إلى أعضاء الحزب بالفساد: تعرض حزب الشعب الجمهوري لأزمة غير مسبوقة على خلفية الاتهامات التي تشير إلى تورط بعض عناصر الحزب في تزوير نتائج المؤتمر العام للحزب في عام 2023، وهو ما ترتب عليه إعلان النيابة العامة في 10 فبراير 2025 فتح تحقيق في مؤتمر الحزب الذي خرج بفوز أوزغور أوزيل بزعامة الحزب على منافسه كمال كلجدار أوغلو، وهو ما أدخل الحزب في مزيد من الصراعات والتنافس الداخلي.2– محاصرة إمام أوغلو قضائياً: يواجه رئيس بلدية إسطنبول دعاوى قضائية عدة، ومطالب بحرمانه من العمل السياسي، خصوصاً بعد إصدار المحكمة الاستئنافية حكماً عليه بالسجن صدر في عام 2022، كما سيحاكم أوغلو في أبريل 2025 بعد قبول الدائرة 14 بمحكمة الجنايات العليا في إسطنبول في 13 فبراير 2025 دعاوى قضائية جديدة ضده، على خلفية تصريحات حملت تهديداً وإهانةً للمدعي العام في إسطنبول بتسييس القضاء، وتطويعه ضد خصوم النظام الحاكم. ومن المرجح أن يواجه إمام أوغلو عقوبات بالحبس والعزل من وظيفته وحظر النشاط السياسي.3– التوتر المكتوم بين قيادات الحزب: تشير العديد من التقديرات إلى أن ثمة توتراً مكتوماً بين قيادات الحزب، وبخاصة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش. وبحسب تسريبات إعلامية، فإن ثمة منافسة بين أوغلو ويافاش للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وبينما يدعم أوزيل رئيس بلدية إسطنبول، فإن يافاش يحظى بدعم كمال كلجدار أوغلو والتيار المحسوب عليه داخل الحزب، وهو ما أدى إلى اتساع مساحات التوتر المكتوم بين أوغلو ويافاش. ويشار إلى أن ثمة خلافاً علنياً نشب بين الرجلين خلال مؤتمر حزب الشعب الجمهوري الذي عُقد في سبتمبر 2024، بعد أن أثار يافاش الجدل عندما صرح بأنه لم يُمنح الفرصة للحديث في المؤتمر إلا في اللحظة الأخيرة، مشيراً إلى أنه كان يرغب في إلقاء خطاب مماثل لذلك الذي قدمه إمام أوغلو.4– تصاعد الصدام بين المعارضة والسلطة: شهدت الآونة الأخيرة تصاعد مساحات التوتر والخلاف العلني بين السلطة والمعارضة التركية، وبخاصة حزب الشعب الجمهوري. وظهر ذلك في توجيه أردوغان، وللمرة الأولى، انتقادات علنية ومباشرة إلى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو؛ حيث قال خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية استضافته مدينة إسطنبول في 10 فبراير 2025: "أحلامك لن تصل حتى إلى الأماكن التي وصلت إليها إنجازاتنا". وتابع: "المعارضة تدَّعي تحقيق طفرة عمرانية تفوق ما أنجزته حكومتي على مدار 23 عاماً"، وأضاف ساخراً: "رأيت اللافتات، أكرم أفندي، أثبِت ذلك، وانظر ماذا يفعل أردوغان".ولم يكن هذا الصدام هو الأول من نوعه؛ ففي يناير 2025 تم توجيه اتهامات لعدد من عناصر حزب الشعب الجمهوري بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان، كما اعتقلت السلطات الحاكمة في 17 يناير "رضا أكبولات" رئيس بلدية منطقة بشكتاش بوسط إسطنبول، الذي ينتمي إلى "حزب الشعب الجمهوري"، على خلفية اتهامه قضائياً بالتلاعب في نتائج عطاءات حكومية، وهو الاتهام الذي رفضه حزبه، ووصفه بأنه ذو دوافع سياسية.في المقابل، تبنى حزب الشعب الجمهوري مقاربة متشددة ضد حزب العدالة والتنمية على خلفية التلاسن الحاصل بين الحزبين في عدد واسع من الملفات الخلافية، كان آخرها رد أوزيل على فتح الدعوى القضائية ضد انتخابات الحزب الداخلية في 2024؛ حيث قال أمام كتلة حزبه النيابية في 11 فبراير 2025: "إنهم يحاولون ترتيب مؤامرة ضد حزب الشعب الجمهوري".تداعيات محتملةيرجح أن تسفر التحقيقات المفتوحة ضد حزب الشعب الجمهوري، على خلفية قضايا فساد وتزوير الانتخابات الداخلية للحزب، عن مجموعة من التداعيات، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– احتدام الانتخابات الداخلية المقبلة في الحزب: يرجح أن تشهد الانتخابات الداخلية لحزب الشعب الجمهوري، المقرر لها مارس 2025، منافسة حادة، وتنافساً محتدماً بين القيادات المرشحة لخوض الانتخابات الرئاسية، سواء حال إجرائها مبكراً أو في موعدها 2028. وبرغم تأكيد أوزغور أوزيل رئيس الحزب وحدة الرؤية بين قيادات الحزب، فإن بعض التقديرات تشير إلى تململ رئيس بلية أنقرة من سعي أكرم إمام أوغلو إلى الهيمنة على الحزب، ورسم سياساته على مقاس طموحاته السياسية، وهنا، يمكن فهم بعض التسريبات التي كشفت عن أن رئيس بلدية أنقرة أكد أنه "إذا لمس مطالب شعبية بترشحه وفق استطلاعات الرأي، فإنه سيترشح بشكل مستقل للانتخابات".2– تحجيم تحركات رئيس بلدية إسطنبول: فتح تحقيقات بالفساد بشأن الانتخابات الداخلية للحزب العام الماضي (2024)، بالإضافة إلى الملاحقات القضائية لرئيس بلدية إسطنبول، سواء بتهمة إهانة أردوغان أو تسييس القضاء، قد تسفر عن تقييد تحركات أكرم إمام أوغلو على الساحة السياسية خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أن ثمة توقعات تشير إلى احتمال صدور أحكام قضائية بمعاقبته؛ ما يعني عزله سياسياً، ومن ثم إمكانية الإطاحة بأوغلو من المشهد العام في المرحلة المقبلة، فضلاً عن قطع الطريق عليه للوصول إلى خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وربما هذه هي الخطوة التالية بعد اتهام أوغلو بالفساد والاعتداء على القضاء وإهانة رموز السلطة.3– تراجع الدور المحوري للقيادة الجديدة داخل الحزب: يمثل التوتر الحاصل في حزب الشعب الجمهوري، على خلفية العديد من الأزمات المركبة التي يعانيها الحزب في التوقيت الحالي، بداية مرحلة جديدة من تاريخ "الشعب الجمهوري"، قد تشهد تراجعاً في دور القيادة الحالية للحزب بقيادة أوزغور أوزيل، وتراجع تأييد القاعدة الحزبية للفكر الجديد ورؤية التغيير التي طرحها أوزيل والتيار الداعم له داخل الحزب. ويبدو تراجع أوزيل محتملاً بعد فشله في تفكيك القضايا الخلافية داخل الحزب، ناهيك عن أنه لا يمتلك شخصية قيادية أو كاريزما.4– تشويه الصورة النمطية لحزب الشعب الجمهوري: يتبنى أردوغان سياسات تهدف إلى تضييق الخناق على المعارضة التركية، وخاصة حزب الشعب الجمهوري الذي يقود التيار المعارض. ومع تصاعد الاتهامات الموجهة للحزب، وتفاقم الأزمات الداخلية للشعب الجمهوري في التوقيت الحالي، ربما تشهد الفترة المقبلة مزيداً من السياسات الحكومية التصعيدية ضد حزب الشعب الجمهوري، من خلال توظيف حالة التوتر الداخلي، والأحكام القضائية ضد قيادته. ووفقاً لبعض التقديرات، فإن السلطة الحاكمة قد تعمل على استثمار اتهامات الفساد للحزب لترسيخ صورة نمطية سلبية للشعب الجمهوري، باعتبار أنه يعتمد على الطرق الملتوية في إدارة انتخاباته الداخلية.مرحلة مختلفةختاماً، يمكن القول إن فتح تحقيقات قضائية ضد حزب الشعب الجمهوري بتهمة الفساد، وتزوير نتائج الانتخابات الداخلية للحزب، قد يدشن مرحلة مختلفة من حياة الحزب، ربما تنعكس على حضوره السياسي في الشارع التركي خلال المرحلة المقبلة، خاصةً في ظل مساعي السلطة الحاكمة لتوظيف هذه الاتهامات لتحييد تحركات الشعب الجمهوري، وتعزيز حدة أزماته الداخلية، وهو الأمر الذي ربما يؤدي إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي التركي كله.

مآلات فتح تحقيقات بالفساد ضد أعضاء حزب الشعب الجمهوري في تركيا