إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>استقبل العاهل المغربي الملك "محمد السادس" بقصر الرئاسة رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" "عزيز أخنوش"، وقام بتكليفه بمهمة تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة "سعدالدين العثماني"، وذلك بعد أن تصدر حزب "التجمع الوطني للأحرار" النتائج النهائية للانتخابات بحصوله على 102 مقعد من أصل 395 مقعداً من مقاعد البرلمان، وذلك وفقاً للفصل 47 من الدستور الذي ينص على أن يقوم الملك باختيار شخصية من الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية، وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا الإطار، تنتظر الحكومة القادمة العديد من الملفات المتنوعة على كافة المستويات السياسية، ومن أبرزها العمل على استعادة ثقة المواطنين في القيادة السياسية، والالتزام بتنفيذ الوعود الانتخابية التي أطلقتها الأحزاب الفائزة في الانتخابات والتي ستنضم للائتلاف الحكومي الجديد، حيث ستكون الحكومة القادمة مطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ساءت بسبب تداعيات أزمة كورونا، وأيضاً تحسين الأوضاع الصحية عبر تعميم نظام التأمين الصحي والرعاية الاجتماعية، إلى جانب حل مشكلات قطاع التعليم. وعلى المستوى الخارجي تنتظر الحكومة عدة ملفات هامة، وعلى رأسها السيادة الترابية على الصحراء، والتعامل مع الجزائر بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، إلى جانب استمرار الدور المغربي في الأزمة الليبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ملفات شائكة</span></strong></p>



<p><strong>عقب تكليف "عزيز أخنوش" بتشكيل الحكومة الجديدة، فإن هناك عدداً من القضايا الهامة التي تطرح نفسها بقوة على أجندة أعمال الحكومة القادمة، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تحدي تشكيل حكومة ائتلافية</strong>: عقب تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة، بدأ "أخنوش" مشاورات تشكيلها بلقاء بعض رؤساء الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية، حيث أكد على أن المفاوضات ستشمل جميع الأحزاب السياسية التي حصلت على مقاعد في البرلمان مستخدماً مصطلح "دون خطوط حمراء"، أي عدم وجود اتجاه لإقصاء أي من الأحزاب الفائزة في الانتخابات بما فيها حزب العدالة والتنمية؛ إلا أن الأخير أعلن انضمامه لصفوف المعارضة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا الإطار، وضع "أخنوش" بعض المعايير لإتمام عملية تشكيل الحكومة، وعلى رأسها موافقة الأحزاب على المشاركة في حكومة ائتلافية، وأن تتقاطع البرامج الحزبية مع بعضها بعضاً لتشكيل حكومة ائتلافية منسجمة تلبي طموحات الشعب وتطلعاته. ومن المرجّح أن تتسم عملية تشكيل الحكومة الجديدة بسهولة في ظل وجود أغلبية برلمانية مريحة تمكن "أخنوش" من ذلك، ويفسر ذلك لقاؤه مع رئيسي حزبي الأصالة والمعاصرة "عبداللطيف وهبي"، والاستقلال "نزار بركة"، وهذه الأحزاب الثلاثة تمثل تحالفاً برلمانياً بأغلبية 269 مقعداً، أي بنسبة 68% من إجمالي مقاعد البرلمان، وقد تشمل تشكيلة الحكومة الجديدة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي حصل على 35 مقعداً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- استعادة ثقة المواطنين في الأحزاب:</strong> حيث تواجه الحكومة المزمع تشكيلها تحدياً من نوع خاص هو استعادة ثقة المواطن في تلك الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي بعدما فشلت الحكومات السابقة في الوفاء بوعودها الانتخابية وتنفيذ المشروعات الاقتصادية والتنموية التي وعدت بها المواطنين. ومن الأمور التي قد تسهم في استعادة هذه الثقة مواصلة مكافحة الفساد، وتجديد دماء النخبة السياسية، حيث توجد مطالبات بعدم اختيار مسؤولين سابقين، خاصة وأن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية وتؤثر سلباً على ثقة المواطنين في الحكومة الجديدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة</strong>: تفرض المشكلات الاقتصادية نفسها على أجندة أعمال الحكومة القادمة، وخاصة فيما يتعلق بإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال العمل على تحقيق معدلات نمو اقتصادية معقولة، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري حوالي 4.6% بعد أن انكمش بنسبة 7% خلال العام الماضي، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة التي تضمنتها البرامج الانتخابية للأحزاب الفائزة في الانتخابات، حيث قدمت الأحزاب الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى وعوداً انتخابية بالقضاء على البطالة التي ارتفعت نسبتها لتصل إلى حوالي 12.8% خلال النصف الأول من العام الجاري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا الصدد، قدم حزب التجمع الوطني للأحرار وعوداً بتوفير حوالي مليون فرصة عمل لإنعاش الاقتصاد الوطني، في حين تعهد حزب الأصالة والمعاصرة بالعمل على خفض معدل البطالة ليصل إلى حوالي 8% وتوفير فرص عمل تصل إلى 882 ألف فرصة عمل خلال الفترة 2022-2026، مع العمل على تحقيق معدلات نمو اقتصادي تصل إلى 6% بحلول عام 2026، خاصة وأن معدل النمو الاقتصادي الحالي بلغ 5% بعد أن انكمش بسبب تداعيات أزمة كورونا.</p>



<div style="height:1px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما قدّم حزب الاستقلال وعوداً بتقليص معدلات البطالة إلى أقل من 9%، وتعكس تلك الوعود الانتخابية حجم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها المغرب، وسيبقى على الحكومة القادمة تقديم حلول فاعلة لهذه المشكلات المتفاقمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تجاوز </strong><strong>أزمة كورونا بأقل الخسائر</strong>: تُمثل أزمة جائحة كورونا تحدياً هاماً على الحكومة القادمة التعامل معه، فخلال الفترة الأخيرة زادت معدلات الإصابة به، حيث بلغ إجمالي أعداد المصابين 904.647 ألف مصاب، وهذه الأزمة تتطلب من الحكومة الجديدة الوفاء بما قدمته الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات والتي ستشارك في الائتلاف الحكومي، فقد قدم حزب التجمع الوطني للأحرار وعوداً بمضاعفة ميزانية الصحة العامة على مستوى السنوات الخمس المقبلة، ومراجعة التعويضات الممنوحة للأطباء، وإحداث 4 مراكز استشفائية جامعية جديدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبصفة عامة، فإن القطاع الصحي بالبلاد يعاني من مشكلات تمويلية، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة بعد أن شهد تدهوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، والتي ظهرت بشكل جلي مع أزمة كورونا، حيث يحتاج المواطنون لنظام رعاية صحية شامل، وتطبيق نظام تعميم التأمين الصحي الإجباري للمواطنين، وتعميم التعويضات العائلية، وتوسيع نظام التقاعد، إضافة إلى الاستفادة من التعويض عن فُقدان الوظيفة، لتغطية 22 مليون مواطن، وهو أمر تبلغ تكلفته حوالي 5.7 مليارات دولار، كما يتطلب الأمر توسيع نظام التأمين الصحي ليشمل الفئات الفقيرة وفئات المهنيين والعمال المستقلين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- تحسين خدمات قطاع التعليم</strong>: خلال الفترة الأخيرة ظهرت العديد من المشكلات داخل قطاع التعليم، ولم تُفلح الحكومة السابقة برئاسة "سعد الدين العثماني" في التعامل مع هذه المشكلات، بل انتهجت سياسات زادت من حدتها، وهو ما دفع الأحزاب السياسية الفائزة بالمراتب الثلاث الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتوظيف هذه المشكلات لصالحها من خلال تقديم وعود انتخابية بحل هذه المشكلات، الأمر الذي جذب الناخبين وأقنعهم بالتصويت لهذه الأحزاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن تلك الوعود حل مشكلة العاملين بعقود مؤقتة، حيث طرح حزب التجمع الوطني للأحرار في برنامجه الانتخابي زيادة أجور المُدرسين إلى 7500 درهم (840 دولاراً) كأجرة صافية شهرياً عند بداية مسارهم المهني، في حين تعهد حزب الأصالة والمعاصرة بإطلاق مخطط وطني لتأهيل التعليم الأولي من خلال إنشاء شبكة من الأقسام البيداغوجية، على مدى 5 سنوات، بمعدل 9000 قسم جديد في السنة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما أطلق حزب الاستقلال وعوداً انتخابية بتطوير قطاع التعليم بهدف تصنيف البلاد ضمن أفضل 60 دولة على المستوى العالمي في قطاع التعليم، والبدء بتعميم التعليم الأول على 100% من الأطفال حتى سن الرابعة، هذا بالإضافة إلى وجود بعض المشكلات التعليمية الأخرى ممثلة في اتساع الفجوة التعليمية بين أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة داخل البلاد، بسبب تفضيل أبناء الطبقة الوسطى التعليم في المدارس الأجنبية ومدارس البعثات الأجنبية في البلاد، وعدم قدرة المدارس الحكومية على تعليم الأطفال اللغة الفرنسية وكذلك تقديم مضمون علمي يساعد على تطوير قدراتهم ويؤهلهم للحصول على فرص عمل مناسبة فيما بعد التخرج، بالإضافة إلى تراجع جودة التعليم والتنمية البشرية، وهو ما يتطلب من الحكومة القادمة إصلاح منظومة التعليم وخاصة المدارس الحكومية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- فرض السيادة على إقليم الصحراء</strong>: تأتي إشكالية حسم قضية الصحراء وفرض السيادة المغربية على إقليم الصحراء من أبرز الملفات السياسية التي تفرض نفسها على الحكومة القادمة، خاصة وأن هذه القضية ترتبط بتوجهات الدولة على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، من المتوقع أن تواصل الحكومة القادمة مشروعات التنمية الاقتصادية للمدن والمناطق الواقعة ضمن إقليم الصحراء وتعزيز التواجد الأمني بما يؤكد سيادة الدولة المغربية على هذا الإقليم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعلى المستوى الخارجي، تفرض هذه القضية على الحكومة القادمة تبني سياسات خارجية تتسم بالبراجماتية والنشاط المكثف على المستويين الإقليمي والدولي لكسب مزيد من الشرعية السياسية اللازمة ممثلة في اعتراف المزيد من الدول بسيادة المغرب على منطقة الصحراء في مواجهة الدعم الجزائري لمطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء شعبي والحصول على حق تقرير المصير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- إدارة ملف العلاقات مع الجزائر:</strong> من المقرر أن تواجه الحكومة الجديدة إشكالية العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجزائر بعد إعلان الأخيرة قطع علاقاتها بالرباط، وهو ما يفرض على رئيس الوزراء "أخنوش" اختيار شخصية سياسية تتمتع بالخبرة والكفاءة على المستوى الدبلوماسي لإدارة هذا الملف وفقاً لمقتضيات المصالح الوطنية المغربية، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الجزائري "رمطان لعمامرة" مؤخراً بأن قرار قطع العلاقات مع المغرب شأن سيادي غير قابل للنقاش ولا رجعة فيه. وفي هذا الإطار سوف يكون ملف العلاقات مع الجزائر على رأس أولويات الحكومة القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7- القيام بدور فاعل في الأزمة الليبية:</strong> تأتي الأزمة الليبية على قائمة اهتمامات الحكومة المغربية القادمة برئاسة "أخنوش"، خاصة وأن للمغرب دوراً كبيراً وفاعلاً في الأزمة الليبية منذ عام 2011 وتوقيع اتفاق الصخيرات بالمغرب عام 2015، وكذلك استضافة جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي في مدينة "بوزنيقة" في سبتمبر الماضي، حيث تتمثل الرؤية المغربية في أهمية التسوية السياسية للأزمة، والوصول إلى اتفاق سياسي يرضي كافة أطراف الصراع الليبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن المتوقع أن يواصل المغرب تبني السياسة الخارجية البراغماتية في التعامل مع الأزمة الليبية، والتي استندت إلى التأكيد على الحل السلمي، والوقوف على مسافة واحدة من كافة الأطراف الليبية، والتأكيد على أن حل الأزمة ينبغي أن يكون ليبياً، والقيام باتصالات وتحركات دبلوماسية مع كافة الفاعلين الإقليميين والدوليين في الأزمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ائتلاف مستقر</span></strong></p>



<p><strong>خلاصة القول، ترجح المعطيات أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة "أخنوش" رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بالدخول في تحالف مع حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، وذلك في أقرب وقت ممكن، في ظل تقارب برامج هذه الأحزاب، والتوافق السياسي بين مكونات هذا التحالف، وهو ما يجعلها تتسم بنوع من التماسك والانسجام بخلاف الحكومات السابقة، إلى جانب دعم شعبي كبير لها. ومن المرجّح كذلك أن يتم تشكيل حكومة تتبنى برامج وسياسات تقوم بتفعيل خطابات الملك، وخاصة فيما يتعلق بالصحة والرعاية الاجتماعية، وتقديم نموذج اقتصادي تنافسي قادر على تجاوز الفوارق الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع خلال الفترة القادمة، الأمر الذي سيضع الحكومة القادمة أمام تحدي المائة يوم الأولى لتقييم مدى قدرتها على تحسين الأوضاع الداخلية اقتصادياً واجتماعياً.</strong></p>

      

الملفات الرئيسية على أجندة الحكومة المغربية القادمة