أحمد عدلي


        
<p>على الرغم من الدلالات والرسائل الإيجابية التي تضمنها "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" الذي انعقد في 28 أغسطس 2021؛ برزت العديد من التوقعات بعدم تحقيق المؤتمر نتائج ملموسة على مستوى العلاقات الإقليمية بالنظر إلى عدة تحديات تعترض التحسن السريع في علاقات القوى الإقليمية المشاركة في المؤتمر، وهو ما يزيد من أهمية إجراءات بناء الثقة والتركيز على المصالح المشتركة ومحاور الاتفاق بين القوى الإقليمية، وفقاً للعديد من المتابعين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">رسائل ودلالات إيجابية</span></strong></p>



<p><strong>يمكن استعراض أبرز الرسائل والنتائج الإيجابية التي خرجت بها قمة بغداد، سواء بالنسبة إلى دعم العراق أو بالنسبة إلى الإقليم؛ وذلك من خلال ما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– دعم واسع لإجراء الانتخابات العراقية في موعدها: </strong>عبَّر المشاركون في قمة بغداد عن دعمهم الواسع للحكومة العراقية في جهودها لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 10 أكتوبر المقبل. وظهر ذلك في كلمات جميع المشاركين في المؤتمر تقريباً. وعلى سبيل المثال، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أن بعثات من الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة ستراقب الانتخابات العراقية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– مُناشدات ضمنية للعراقيين لاختيار قيادة وطنية معتدلة: </strong>كان من اللافت مناشدة بعض القادة، خلال القمة، العراقيين حُسنَ الاختيار في الانتخابات المقبلة، في إشارة ضمنية إلى الابتعاد عن الشخصيات المتشددة ومن يمثل مصالح وأجندات إقليمية. ويدلل على ذلك ما جاء في كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حينما قال: "أوجه كلامي إلى الشعب العراقي: أنتم أمة عريقة ذات مكانة وحضارة وتاريخ، ولديكم تنوع وتعدد أعتبره ثراءً كبيراً.. ندائي إليكم اليوم: شاركوا في اختيار من يقودكم إلى الأمام… الانتخابات مسؤولية شعبية عظيمة في بناء مستقبل الدول".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تعهدات بدعم استقرار المناطق المحررة في العراق: </strong>برزت تعهدات من قبل بعض القادة خلال القمة بدعم جهود العراق لإعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة من داعش. وعلى سبيل المثال، قال الرئيس الفرنسي إن "فرنسا تشجع الحكومة العراقية على دعم النازحين"، مشيراً إلى أن "فرنسا خصصت ميزانية لدعم استقرار المناطق المحررة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الكشف عن فعاليات لدعم العراق اقتصادياً:</strong> يبرز هذا الأمر من خلال تأكيد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف وجود استعدادات حالية للإعداد لعقد مؤتمر تحت عنوان "مؤتمر الإعمار والاستثمار الخليجي–العراقي" في الفترة المقبلة. وشدد الحجرف على "ضرورة متابعة مخرجات مؤتمر الكويت التي نصت على دعم العراق اقتصادياً". يُضاف إلى ذلك تأكيدات الرئيس الفرنسي أن بلاده شريك اقتصادي ومساهم في عمليات إعادة الإعمار في العراق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– الأجواء الإيجابية خلال لقاءات ثنائية للزعماء:</strong> وفرت قمة بغداد فرصة جيدة للقادة المشاركين فيها لعقد لقاءات متعددة على هامش القمة. وكان من الملاحظ أن الأجواء الإيجابية حكمت تلك اللقاءات. حيث بحث الزعماء المشاركون في القمة آفاق التعاون وتطوير العلاقات الثنائية والتعامل مع القضايا الخلافية، وكان حاضراً بقوة ملف تطوير العلاقات مع دول الجوار والتعامل مع مصادر التهديد للأمن الإقليمي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– التأكيد على مركزية دور العراق في الاستقرار الإقليمي:</strong> اعتبر المشاركون في قمة بغداد أن استقرار المنطقة مرهون باستقرار العراق والعكس صحيح. ويدلل على ذلك تصريحات الرئيس الفرنسي، التي أكد خلالها أن "مؤتمر قمة بغداد هو الشرط الأساس لاستقرار المنطقة، ونجاح حقيقي للعراق"، كما أكد رئيس الوزراء الكويتي صباح خالد الصباح أن الأمة العربية لن تنعم بالاستقرار ما دام العراق يفتقده. ويرتبط ذلك بتأكد دور بغداد المركزي في جهود الوساطة في منطقة الشرق الأوسط والجمع بين الدول العربية والقوى الإقليمية ضمن "حوار إقليمي" لبحث القضايا الخلافية والتنسيق بين المصالح المتعارضة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات تعزيز التعاون</span></strong></p>



<p><strong>على الرغم من الأجواء الإيجابية التي ظهرت خلال قمة بغداد، والتعهدات التي قُدمت من جميع الأطراف المُشارِكة بدعم العراق، وكذلك دعم الجهود الرامية إلى تعزيز استقرار وأمن المنطقة– فإن ثمة جملة من التحديات التي تعترض إمكانية تحقيق تلك التعهدات، منها ما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تباين منظورات التهديد بين الدول المشاركة: </strong>على الرغم من جمع العراق بين الأضداد خلال قمة بغداد –وهو نجاح كبير للدبلوماسية العراقية– فإن القمة جمعت أطرافاً متعددة تنظر إلى التهديدات التي تواجهها من منظورات مختلفة نتيجة لتباين مصالحها، وهو الأمر الذي صعَّب من إمكانية تبني آليات تنفيذية يمكن اللجوء إليها لتحويل ما خرجت به القمة إلى واقع ملموس.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– الأدوار السلبية لدول الجوار الإقليمي:</strong> برغم حرص العراق على مشاركة طهران وأنقرة في القمة، فإن هذين الطرفين على وجه التحديد يعتبران أكثر طرفين يؤثران سلباً في أمن واستقرار العراق والمنطقة برمتها وفقاً لتقديرات العديد من دول المنطقة، وهو الأمر الذي يجعل أي تعهدات قدمها الطرفان في القمة موضع شك ولا تحظى بالثقة الكاملة من مختلف الأطراف، خاصةً في ظل التدخلات العسكرية في دول الجوار ودعم الميليشيات المسلحة في بؤر الصراعات والتصريحات العدائية حول التحكم في كافة التطورات في المنطقة. وعلى سبيل المثال تثير تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول ضرورة الحصول على موافقة أنقرة قبل تحريك أي حجر في المنطقة انتقادات واسعة النطاق كونها تتناقض مع التوجهات التركية لإصلاح علاقاتها مع دول المنطقة والتهدئة ووقف التصعيد مع القوى العربية الرئيسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– غياب سوريا عن المشاركة رغم الجوار المباشر للعراق: </strong>يمثل الغياب السوري عن قمة بغداد أحد التحديات الجوهرية التي تعترض إمكانية تحويل الطموحات التي برزت خلال القمة إلى واقع ملموس. ويرتبط بذلك أن الأوضاع في كل من سوريا والعراق تعد نموذجاً للصراعات الاندماجية نتيجة التشابك الشديد بين أمن البلدين. ويظهر ذلك جلياً في التهديد الذي يمثله تنظيم داعش والميليشيات الجوَّالة المدعومة من إيران لأمن البلدين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– طرح طهران قضايا خارج نطاق اهتمام القمة: </strong>حاول الوفد الإيراني المشارك في قمة بغداد حَرْف القمة عن مسارها الطبيعي. ويتضح ذلك من استغلال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان مشاركته في القمة للحديث عن خلافات بلاده مع الولايات المتحدة؛ حيث قال إن "واشنطن سبب الانفلات الأمني في المنطقة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– غموض موقف واشنطن من المنتدى: </strong>يمثل غموض الموقف الأمريكي من قمة بغداد رسالة سلبية إليها؛ فبجانب أن الجانب الأمريكي لم يشارك على مستوى السفير الأمريكي في العراق، كما سبق أن أعلن وزير الخارجية العراقي، فإن واشنطن لم تهتم بما جرى فيها، باستثناء تصريحات لمستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، يوم 27 أغسطس الجاري خلال اتصال مع وزير الخارجية العراقي، أكد خلالها أن بلاده تدعم مؤتمر بغداد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– إرث الخبرات التاريخية للمنتديات الشبيهة: </strong>لم تتمكن المنتديات الشبيهة بمنتدى العراق الأخير، من تحقيق نتائج إيجابية بين الدول المشاركة فيها، وهو الأمر الذي لا يُشجع على توقع حدوث نتائج حقيقية من وراء قمة بغداد. وعلى سبيل المثال، تبرز النتائج المتواضعة التي حققتها آلية دول جوار ليبيا، كما أن المنتديات الخاصة بسوريا، على غرار مسار الأستانة أو مسار سوتشي، التي تجمع إيران وتركيا وروسيا؛ لم تفلح هي الأخرى في تحقيق تقدم حقيقي لإيجاد حل للأزمة السورية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي المجمل، عززت قمة بغداد دور العراق كوسيط إقليمي يمكن أن يجمع أطرافاً دولية متجاذبة على طاولة حوارية واحدة، كما كشفت القمة عن وجود إيمان جماعي بأن استقرار العراق يمس جميع الأطراف المشاركة فيها، وأنه بمقدور بغداد أن تكون جسراً للتعاون والتواصل. ومن الوارد أن تفتح القمة آفاقاً جديدة للجانب العراقي لدعم اقتصاده المتراجع، وكذلك حصوله على مساندة دولية أكبر بشأن الانتخابات المبكرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك معضلات متعددة قد تحول دون تحقق الطموحات الإقليمية التي كشفت عنها القمة. ويأتي على رأس تلك المعضلات الأجندات المتضاربة بين عدد كبير من الدول المشاركة فيها.</strong></p>

      

احتمالات تعزيز العلاقات بين القوى الإقليمية عقب "مؤتمر بغداد"