ياسمين أيمن


        
<p><strong>فرضت الولايات المتحدة، عقب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، العديد من العقوبات على النظام الروسي، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والشركات الروسية، ورجال الأعمال، والبنوك الروسية التي تم إيقاف تعاملها مع نظام سويفت </strong><strong>SWIFT</strong><strong>؛ لإجبار موسكو على وقف عملياتها العسكرية التي أثّرت بشكل كبير على أوكرانيا علاوةً على تهديد أمن واستقرار القارة الأوروبية. ولمزيد من عزل موسكو دوليّاً، تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطاً على حلفاء روسيا الاستراتيجيين، ولا سيما الصين –التي رفضت إدانة الهجوم الروسي؛ لعلاقاتها الاستراتيجية بموسكو– لمنع تقديم المساعدات للنظام الروسي، والالتزام بالعقوبات المفروضة عليه.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">سياسات بكين</span></strong></p>



<p><strong>بعدما تبنَّت الصين موقفاً محايداً عقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، أضحت روسيا تنظر إلى بكين بوصفها حليفاً يمكن الاعتماد عليه بدرجة أكبر. ولذلك، وقبل التدخل الروسي في أوكرانيا، الذي بدأ في </strong><strong>24</strong><strong> </strong><strong>فبراير الماضي، تم الاتفاق على تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين خلال حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دورةَ الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وسط مقاطعة دبلوماسية غربية. وتتمثل أبرز المساعدات التي قدمتها أو قد تقدمها بكين لدعم النظام الروسي عقب عملياته العسكرية ضد أوكرانيا، فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– توقيع اتفاقيات تعاون حديثة: </strong>وقَّعت الصين وشركة غازبروم الروسية على اتفاقية في فبراير 2022 لبناء خط أنابيب للغاز يصل بين روسيا والصين عبر منغوليا بطاقة 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً؛ هذا فضلاً عن الاتفاق على شراء القمح الروسي، وتقديم بكين الدعم الاقتصادي إلى موسكو<strong>، </strong>والاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج على تعزيز العلاقات بينهما في فبراير الماضي.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– توفير إمدادات عسكرية لموسكو: </strong>تعتمد الصين على تصميمات الأسلحة الروسية المختلفة؛ ولذلك فهي قادرة على تقديم قطع غيار أسلحة لموسكو، والطائرات الصغيرة بدون طيار، التي تعتبر الصين أكبر منتج لها في العالم، والتي ستستطيع، إذا حصلت موسكو عليها، أن تمنحها قدرات استخباراتية عالية داخل أوكرانيا. وفي هذا الصدد، يشير تقرر لصحيفة فايننشال تايمز إلى أن روسيا طلبت من الصين إمدادها بمعدات عسكرية تتمثل في صواريخ أرض–جو، وطائرات بدون طيار، وعربات مصفحة، ومعدات تستخدم في العمليات الاستخبارية، ومَركبات تُستخدَم في خدمات الدعم واللوجستيات، وهو الأمر الذي نفته السفارة الصينية في الولايات المتحدة، موضحةً أنها ليس لديها علم بهذا الطلب. وقد أشارت الصحف الصينية الموالية للنظام الصيني إلى أن روسيا دولة تمتلك صناعة عسكرية كبرى، ولن تحتاج إلى الحصول على مساعدات عسكرية من أجل "حرب محدودة النطاق في أوكرانيا"، وقد نفت موسكو أيضاً هذا الأمر، مشيرةً إلى أنها لم تطلب شيئاً.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– إمداد موسكو بالتقنيات الأمريكية:</strong> هناك شركات صينية عاملة في المجال التقني يمكنها بيع البرامج والأجهزة والتقنيات الأمريكية إلى روسيا، ولكن بما أن الإدارة الأمريكية قد وضعت مجموعة من العقوبات التي سيتم تطبيقها على الشركات الأمريكية أو غيرها من الشركات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين، إذا حاولت الالتفاف حول ضوابط التصدير لروسيا المتعلقة بالمنتجات الأمريكية عالية التقنية؛ إذن ستُعتبَر الشركات مرتكبةً انتهاكات صريحة إذا صدَّرت الأجهزة والتقنيات والبرامج الأمريكية، وستصل العقوبة إلى حد إغلاق الشركة، وفقاً لوزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو؛ لذلك فمن المرجح ألا تُقبل الشركات الصينية الكبرى على تلك المجازفة، ولكن قد تقوم به شركات صغيرة لن تتضرر كثيراً إذا أُغلِقت.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– شراء النفط والغاز الروسي</strong>: يمكن لبكين أن تساعد الاقتصاد الروسي على البقاء فترة أطول وتحمُّل العقوبات الاقتصادية عبر شراء النفط والغاز الروسي بثمن بخس، على غرار ما تفعله بكين مع إيران رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها. ومن الجدير بالذكر أنه إذا اتجهت بكين إلى تنفيذ ذلك فلن يكون هناك انتهاك رسمي للعقوبات الأوروبية الأمريكية المفروضة على روسيا.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تقديم دعم سياسي لموسكو: </strong>ترفض الصين الانضمام إلى العقوبات الأمريكية الأوروبية المفروضة على النظام الروسي، كما رفضت إدانة روسيا وإدانة قصف المدنيين في أوكرانيا بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، موضحةً أن "مخاوف روسيا الأمنية المشروعة يجب أن تؤخذ على محمل الجد"، ومشددةً على دعمها سيادة أوكرانيا، ومؤكدةً في الوقت ذاته أن استمرار الدول الغربية في تقديم الدعم لأوكرانيا لن يحل الأمر، ومطالِبةً الدول الغربية بحل المشكلة سلميّاً، ومكررةً المزاعم الروسية حول أن واشنطن قامت ببناء معامل أسلحة بيولوجية في أوكرانيا؛ ما فسَّره البعض بأنه دعم ضمني للتحركات الروسية في أوكرانيا. وهو ما رأته الصين بمنزلة محاولات بائسة لتشويه صورتها أمام العالم، مشددةً على أنها جهة محايدة في الصراع بين موسكو وكييف.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">&nbsp;أدوات عقابية</span></strong></p>



<p><strong>تملك الإدارة الأمريكية العديد من الأدوات التي تُمكِّنها من الضغط على الصين لمنعها من تقديم الدعم للنظام الروسي الذي يواجه عقوبات قاسية من الولايات المتحدة وحلفائها عقب العمليات العسكرية التي يقوم بها ضد أوكرانيا. وتتمثل أبرز تلك الأدوات فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– إطلاق تحذيرات متكررة بوجه بكين: </strong>خلال لقاء مخطط له قبل الحرب الأوكرانية بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين يانج جيتشي، بروما في مارس الجاري لتبادل وجهات النظر، والإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة بين واشنطن وبكين؛ حذر سوليفان جيتشي من تحمل بكين عواقب وخيمة إذا أقدمت على دعم موسكو في حربها بأوكرانيا، وقد أكدت الصين أنها لا تريد الزج بنفسها في الصراع الاقتصادي بين العالم المتقدم وموسكو، فضلاً عن أنها تحاول أداء دور وسيط السلام بين الأطراف المتصارعة، مطالبةً واشنطن وجميع الأطراف الأوروبية بتهدئة الأمور هي الأخرى لا بإذكائها.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التهديد بفرض عقوبات على الصين: </strong>طالب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بفرض عقوبات ثانوية على النظام الصيني أو أي خصم آخر يحاول مساعدة روسيا على تجنب العقوبات المالية المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة. وقد تمتد تلك العقوبات لتشمل الشركات الصينية، وجيش التحرير الشعبي الصيني إذا ساعدوا روسيا عسكرياً واقتصادياً.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تحفيز الدول الأوروبية والآسيوية ضد بكين:</strong> ستتجه الولايات المتحدة إذا تيقنت من دعم بكين لموسكو إلى حث الدول الأوروبية وغيرها من الدول الآسيوية –على غرار اليابان وسنغافورا– على مساندتها في العقوبات التي ستُفرَض على الصين، بحيث تقوم تلك الدول هي الأخرى بفرض العقوبات نفسها على الكيانات والأفراد الصينيين، كما ستشجع واشنطن الشركات الكبرى على الخروج من الأسواق الصينية، على غرار ما حدث في موسكو.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– استخدام القوة الناعمة لتشويه الصين: </strong>تحاول الصين الحفاظ على مصلحتها الاقتصادية مع كافة الدول؛ لذلك حتى لو تحايلت على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، فسيتم ذلك بصورة قانونية، وهو الأمر الذي سيحول دون وجود خيط مباشر يمكن للولايات المتحدة التمسك به لتبرير فرض عقوبات مباشرة على بكين؛ لذلك ستكون واشنطن في حاجة إلى استخدام أدوات القوة الناعمة ومنها وسائل الإعلام؛ حيث يمكن من خلالها تشويه صورة الصين العالمية عبر الترويج بأنها تدعم النظام الروسي في حربه داخل أوكرانيا، والترويج لإمكانية وضع بكين في مصاف الدول المنبوذة عالمياً التي تشمل كوريا الشمالية وروسيا وإيران؛ ما قد يؤدي إلى خسارة بكين مصالحها الاقتصادية مع مختلف الدول.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات محتملة</span></strong></p>



<p><strong>يحمل تقديم الصين الدعم لروسيا في وقت تواجه فيه عزلة دولية، وفرض الولايات المتحدة وحلفائها ضغوطاً على بكين من جراء ذلك؛ العديد من التداعيات المتوقعة، ومن أبرزها ما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تحويل أوكرانيا إلى ساحة حرب بالوكالة: إذا</strong> أقدمت الصين على دعم روسيا، واصطفت الولايات المتحدة والغرب ضدهما، فإن من المحتمل تغيير موازين الجغرافيا السياسية في أوروبا، لتتحول أوكرانيا إلى ساحة حرب بالوكالة بين روسيا والصين من جهة وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى. وقد يتجدد الاتحاد السوفييتي الصيني على غرار ما حدث في خمسينيات القرن الماضي.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– المزيد من المشكلات الاقتصادية العالمية: </strong>إن تكتل الدول الغربية وحلفائها ضد الصين وروسيا سيُحدث تغييرات في النظام دولي على المستوى السياسي، وقد يدفع العالم إلى الدخول في حرب باردة جديدة تعيد رسم المشهد السياسي العالمي الذي سترجح الكفة فيه للأطراف الأقوى. وعلى المستوى الاقتصادي، وبالنظر إلى ما يحدث حالياً من ارتفاع في مستويات التضخم، وارتفاع في أسعار مواد الطاقة من جراء فرض عقوبات على روسيا؛ فإن اتباع نهج العقوبات نفسه مع الصين التي تمثل قوة اقتصادية ذات ثقل دولي، يعني حدوث عدم يقين في الأسواق العالمية، وزيادة الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وحدوث خسائر على كافة المستويات، وخاصةً داخل الدول التي تعتمد بدرجة كبيرة على مختلف الصناعات الصينية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>في الختام، من غير المُرجَّح أن يُعرِّض الرئيس الصيني شي جين بينج الاقتصاد الصيني للخطر، ويقدم دعماً علنيّاً لروسيا، في ظل مساعيه إلى الحفاظ على ما حققه الاقتصاد الصيني من نمو؛ وذلك بسبب رغبته في تأمين فوزه بولاية حكم ثالثة، كما أن الدول الغربية لا تزال بحاجة إلى الصين وروسيا؛ ما يعني أنها لا يمكنها التخلي عن كافة المصالح الاقتصادية المشتركة معهما، ولا ترغب في الدخول في حرب عسكرية ضد موسكو؛ ما يسمح لبكين بلعب دور في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا من خلال الضغط على روسيا؛ ما قد يؤدي إلى وقف الحرب التي فشل الغرب في إيقافها، فتنال الصين استحساناً أكبر على المستوى العالمي، ضاربةً عرض الحائط بالمحاولات الغربية لتشويه صورتها بإقحامها في هذا الصراع.</p>

      

ما أدوات الردع الأمريكية ضد تقارب الصين مع موسكو؟