د. يوسف داوود

وقَّع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتفاقية شراكة تاريخية تمتد لمئة عام، في 16 يناير 2025، تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين. وتتضمن هذه الاتفاقية التزام المملكة المتحدة بتزويد أوكرانيا بنظام دفاع جوي متنقل، وتعزيز التعاون البحري؛ ما يعكس التزام بريطانيا بدعم أمن أوكرانيا في مواجهة التحديات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، تأتي هذه الخطوة في إطار سعي لندن إلى تعزيز دورها العالمي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتأكيداً لالتزامها بدعم حلفائها في أوروبا الشرقية. من الجانب الأوكراني، يُمثل الاتفاق تعزيزاً للتحالفات مع الدول الغربية؛ ما يُعزز موقف كييف في مواجهة التوترات مع روسيا.أبعاد رئيسيةفيما يلي أهم بنود اتفاق شراكة المئة عام بين بريطانيا وأوكرانيا وفقاً لنصوص الاتفاق، وما تم الإعلان عنه على هامش زيارة "ستارمر" إلى كييف:1– دعم التعاون العسكري والأمني بين الدولتين: يتضمن الاتفاق بين بريطانيا وأوكرانيا التزاماً بتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي متنقلة وحديثة لمساعدتها في حماية أجوائها من الهجمات الروسية المستمرة، خاصةً بالطائرات المسيَّرة والصواريخ، كما يشمل الاتفاق برامج تدريبات عسكرية مشتركة تركز على تطوير القدرات الدفاعية الأوكرانية وتعزيز قدرتها على استخدام التقنيات العسكرية الحديثة. ويمثل هذا الجانب رسالة واضحة من بريطانيا لدعم أوكرانيا في مواجهة التهديدات الإقليمية وتعزيز الأمن في أوروبا الشرقية.2– تأكيد الدعم السياسي البريطاني لكييف: أكد الاتفاق التزام بريطانيا بدعم أوكرانيا سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجموعة السبع، كما يتضمن تعزيز جهود انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، تعهد رئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر" بتقديم دعم طويل الأمد لتعزيز سيادة أوكرانيا واستقلالها. هذا ويعكس هذا الدعم التزام بريطانيا بمساندة أوكرانيا في مواجهة التحديات الجيوسياسية الناتجة عن الصراع مع روسيا.3– التعاون الاقتصادي والتجاري بين لندن وكييف: يتضمن الاتفاق استثمارات بريطانية بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني في أوكرانيا، خاصةً في قطاعات إعادة الإعمار والبنية التحتية والطاقة المتجددة. ويهدف هذا الاستثمار إلى تعزيز الاقتصاد الأوكراني، وتوفير فرص عمل جديدة، كما يركز الاتفاق على دعم المشاريع المشتركة بين الشركات البريطانية والأوكرانية، وتوسيع العلاقات التجارية بين البلدين، بما يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.4– التركيز على الإصلاحات ومكافحة الفساد في أوكرانيا: تُعد جهود مكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية جزءاً محورياً من الاتفاق؛ حيث يتعهد الطرفان بالعمل على تعزيز الشفافية والحكم الرشيد داخل أوكرانيا. ويشمل ذلك توفير الدعم البريطاني لتحسين كفاءة المؤسسات الأوكرانية، بما يساهم في تعزيز الثقة الدولية بالحكومة الأوكرانية، وجذب المزيد من الاستثمارات.5– المشاركة في التنمية الاجتماعية والبيئية بأوكرانيا: التزمت بريطانيا بدعم أوكرانيا في تحقيق أهدافها البيئية من خلال مشاريع للطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، كما يركز الاتفاق على مبادرات التنمية الاجتماعية، مثل تمكين المرأة، ودعم الفئات المهمشة. وتسعى بريطانيا من خلال هذا التعاون إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية؛ ما يعزز جهود أوكرانيا في بناء مستقبل مستدام.6– التعليم والتبادل الثقافي: يشمل الاتفاق تعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة، بما في ذلك برامج التبادل الأكاديمي والمِنَح الدراسية. ويهدف هذا التعاون إلى بناء علاقات أعمق بين شعبَي البلدين، وتعزيز الفهم المتبادل من خلال تبادل الخبرات الثقافية والتعليمية. يُعَد هذا الجانب من الاتفاقية جزءاً هاماً في توثيق الشراكة الطويلة الأمد بين بريطانيا وأوكرانيا.شراكة متصاعدة&nbsp;يترتب على هذا الاتفاق عدد من الدلالات الفعلية وبعض الانعكاسات المحتملة، ويأتي أهمها على النحو التالي:1– تعزيز التحالفات الغربية في مواجهة روسيا: يعكس الاتفاق بين بريطانيا وأوكرانيا التزاماً استراتيجياً طويل الأمد بتعزيز التحالفات الغربية ضد النفوذ الروسي المتصاعد؛ فبريطانيا، باعتبارها لاعباً رئيسياً خارج الاتحاد الأوروبي، تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى إرسال رسالة واضحة أن دعم أوكرانيا أولوية في مواجهة التحديات الجيوسياسية التي تفرضها روسيا. ويمثل هذا الاتفاق ردعاً مباشراً لمحاولات موسكو زعزعة استقرار المنطقة من وجهة نظر بريطانيا، ويؤكد دعم الغرب سيادة أوكرانيا، كما أنه يعزز التعاون الأمني والعسكري في أوروبا الشرقية، وهو ما قد يشكل تحولاً في توازن القوى الإقليمي.2– دعم كييف في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية: يوفر الاتفاق استثمارات مباشرة في أوكرانيا بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني، وهو ما يعكس التزام بريطانيا بدعم الانتعاش الاقتصادي الأوكراني بعد الحرب. ويشمل ذلك إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، وتنشيط قطاع الأعمال من خلال شراكات بين الشركات البريطانية والأوكرانية. وتسهم هذه الجهود في خلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي في أوكرانيا؛ ما يعزز استقرارها الداخلي، كما أن الدعم الاقتصادي يعكس رغبة بريطانيا في أن تصبح شريكاً اقتصادياً رئيسياً لأوكرانيا، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من التبادلات التجارية المستقبلية.3– ترسيخ مكانة لندن العالمية في مرحلة ما بعد البريكست: تسعى بريطانيا من خلال هذا الاتفاق إلى تأكيد دورها كقوة عالمية مؤثرة في مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ حيث تظهر الاتفاقية الممتدة لمئة عام استعداد لندن لتبني شراكات استراتيجية طويلة الأمد بعيداً عن الاتحاد الأوروبي؛ ما يعزز موقعها كقوة سياسية واقتصادية مستقلة، كما أن التزام بريطانيا بدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً يعكس رغبتها في لعب دور قيادي في القضايا الدولية، خاصةً في تعزيز الأمن والاستقرار على الحدود الشرقية لأوروبا.4– تعزيز الأمن الإقليمي في أوروبا الشرقية: تمثل الاتفاقية خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن الإقليمي في أوروبا الشرقية؛ حيث تواجه أوكرانيا تهديدات مباشرة من روسيا. من خلال الدعم العسكري، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي وبرامج التدريب المشتركة، تسهم بريطانيا في تقوية القدرات الدفاعية الأوكرانية. هذه الجهود لا تقتصر على تعزيز الأمن الأوكراني فحسب، بل تمتد لتشمل استقرار أوروبا ككل؛ ما يحد من المخاطر التي قد تنتج عن التصعيد الروسي في المنطقة، كما أن التعاون الأمني بين البلدين يُعزز جاهزية أوكرانيا للتعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة.5– الترويج الإيجابي لبريطانيا داخل المجتمع الأوكراني: يشمل الاتفاق مبادرات تنموية واجتماعية تهدف إلى تحسين حياة الأوكرانيين، بما في ذلك تمكين المرأة، ودعم الفئات المهمشة، وتعزيز التعليم. هذه الجهود تُسهم في خلق مجتمع أكثر شمولاً واستدامةً؛ ما يعزز الاستقرار الاجتماعي في أوكرانيا، كما أن التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية يسهم في تحسين جودة الحياة للأجيال القادمة، كما ينعكس هذا الدعم بشكل مباشر على الثقة الشعبية بالقيادة الأوكرانية، ويعزز التفاؤل بمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.6– تكثيف الضغوط على روسيا: تشكل الاتفاقية، بما تحمله من التزامات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية، تحدياً واضحاً لروسيا؛ حيث ستصبح كييف من خلال تعزيز التحالف بينها وبين بريطانيا، أكثر قدرةً على مقاومة الضغوط الروسية، سواء كانت عسكرية أو سياسية، كما أن الدعم البريطاني لأوكرانيا في المحافل الدولية يعزز عزل روسيا دبلوماسياً، ويحد من قدرتها على فرض شروطها في النزاعات الإقليمية؛ لذلك من شأن هذا الضغط المتزايد إضعاف نفوذ موسكو في المنطقة، وتأكيد أن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولاتها لزعزعة الاستقرار.7– التحسب من سياسات ترامب المتشددة تجاه أوكرانيا: تشكل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تحدياً جديداً لتنفيذ الاتفاقية بين بريطانيا وأوكرانيا؛ حيث عُرف ترامب بمواقفه المتذبذبة تجاه دعم أوكرانيا أثناء رئاسته الأولى. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي لكييف؛ ما يضع ضغطاً أكبر على بريطانيا لتقديم المزيد من الدعم لتعويض الغياب الأمريكي المحتمل. على الجانب الآخر، يمكن أن يُنظر إلى الاتفاقية على أنها وسيلة لبريطانيا لتأكيد دورها القيادي في دعم أوكرانيا، حتى في ظل تغير السياسات الأمريكية. هذا الموقف قد يدفع لندن إلى تعزيز التعاون الأوروبي لموازنة أي تراجع في الدعم الأمريكي؛ ما يزيد أهمية الاتفاقية كركيزة للاستقرار الإقليمي.الخلاصة: يمثل اتفاق الشراكة بين بريطانيا وأوكرانيا خطوة كبيرة لتعزيز التعاون بين البلدين على مدى فترة زمنية كبيرة. وفي حين يركز الاتفاق على تقديم الدعم العسكري، مثل أنظمة الدفاع الجوي والتدريب، فإن أهميته تكمن كذلك في تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي لمساندة أوكرانيا في المحافل الدولية، خاصةً في ظل التوترات مع روسيا. ومع احتمالية حدوث تغييرات في السياسات العالمية، مثل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تبرز أهمية هذا الاتفاق كداعم أساسي لاستقرار أوكرانيا، إلا أنها قد تمثل كذلك نقطة خلافية بين لندن وواشنطن، قد تستحوذ على قدر كبير من الاهتمام في العلاقة الثنائية بينهما.

مآلات اتفاقية الشراكة بين بريطانيا وأوكرانيا