عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

في خضم التوجُّه الأمريكي المتصاعد نحو القارة الآسيوية لمواجهة الخصم الصيني، لا تزال واشنطن تسعى إلى رفع قدرات حلفائها في المنطقة بدرجة أكبر، لمواجهة أي مخاطر تهدد مصالحها أو مصالح حلفائها. ومن ضمن تلك التحركات تعهد واشنطن بتحديث خطط الطوارئ الحالية المشتركة بينها وبين كوريا الجنوبية في زمن الحرب "OPLAN 5015". وقد تزامن ذلك مع تحديات جمة في شبه الجزيرة الكورية، ووجود حاجة ملحة للتحديث مع تصاعد خطر كوريا الشمالية. وفي ضوء هذا، نشر موقع "ذا دبلومات"، تقريراً بعنوان "كيف ستعيد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة كتابة خطتهما التشغيلية؟"؛ إذ تطرق التقرير إلى مظاهر وأسباب اهتمام الولايات المتحدة بتحديث هذه الاستراتيجية، بجانب توضيح أبرز العقبات في سبيل تحقيق ذلك، والتي يأتي على رأسها إشكالية نقل سلطة التحكم في العمليات الحربية إلى سيول، ووجود عوائق جغرافية أمام عملية التحديث بجانب تباين الرؤى الكورية والأمريكية بشأن هذه العملية، وتعدد القضايا التي يتعين مناقشتها فيها.

اهتمام واشنطن

تطرق التقرير إلى مظاهر وأسباب اهتمام الولايات المتحدة بتحديث استراتيجية "OPLAN 5015" المشتركة. ويتضح ذلك عبر ما يلي:

1- تعهد أمريكي-كوري جنوبي بتحديث "OPLAN 5015": أوضح التقرير أن الاجتماع التشاوري الأمني الثالث والخمسين بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة "SCM"، الذي عُقد في سيول في 2 ديسمبر 2021، أكد التزامه بتحديث خطط الطوارئ الحالية المشتركة بين البلدين في زمن الحرب "OPLAN 5015″؛ وذلك لمجاراة تطور التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، والتكيف مع التغيرات في البيئة الاستراتيجية الإقليمية. وأشار التقرير إلى أن المهمة الرئيسية للتحديث تتلخص في دمج المواقف الدفاعية المشتركة لجيش جمهورية كوريا "ROK" والقوات الأمريكية في كوريا الجنوبية "USFK". ووفقاً للتقرير، سيتم تنفيذ استراتيجية "OPLAN" الجديدة بعد الانتهاء من عملية التحديث، من قبل قيادة القوات المشتركة المستقبلية في جمهورية كوريا والولايات المتحدة "F-CFC"، في معسكر همفريز، بالقرب من بيونجتايك بكوريا الجنوبية.

2- تزامن القرار مع تحديات جمة في شبه الجزيرة الكورية: أضاف التقرير أن قرار تحديث وإعادة كتابة ""OPLAN 5015، يأتي في وقت مليء بالتطورات في شبه الجزيرة الكورية. وحسب التقرير، تواصل كوريا الشمالية التباهي بأنواع جديدة من الصواريخ وتوسيع قدرتها النووية. وطبقاً للتقرير، فإنه لا تزال إشكالية نقل السيطرة العملياتية في زمن الحرب، من "USFK" إلى جيش جمهورية كوريا، دون حل. ونوه التقرير بأنه أصبح من الصعب على كوريا الجنوبية الحفاظ على توازنها الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، ولفت إلى أن من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في كوريا الجنوبية في مارس 2022.

3- حاجة ملحة للتحديث مع تصاعد خطر كوريا الشمالية: أكد التقرير أنه تم اعتماد "OPLAN 5015" الحالية، في عام 2015، للتركيز في الغالب على السيناريوهات التي تنطوي على العديد من التهديدات العسكرية الكورية الشمالية. ووفقاً للتقرير، فإنه في ظل التقدم الأخير في الأسلحة التقليدية والنووية لكوريا الشمالية، وخاصة تطوير الصواريخ، بما فيها الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات "SLBM" حتى الصواريخ الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على ما يبدو؛ لم تعد "OPLAN 5015" مناسبة لهذا الغرض. وشدد التقرير على أنه بات من الممكن الآن أن تستخدم كوريا الشمالية قدراتها التقليدية والنووية والصاروخية في وقت واحد. وأوضح التقرير أن هذا التهديد مختلف تماماً عن التهديد التقليدي الذي يمكن خلاله مواجهة الاستفزازات الفردية واحدة تلو الأخرى. لذلك أقر الاجتماع التشاوري الأمني، حسب التقرير، بزيادة حجم تهديدات كوريا الشمالية، والحاجة إلى التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لتطوير تدابير مضادة جديدة للتعامل مع تغير بيئة التهديدات.

4- معالجة "OPLAN 5015" عيوب الاستراتيجية السابقة: أشار التقرير إلى أنه كانت هناك عدة إصدارات مختلفة من استراتيجية "OPLAN"، قبل دمجها في "OPLAN 5015". وطبقاً للتقرير، فإنه على سبيل المثال، تفترض "OPLAN 5026" وقوع هجوم شامل من قبل كوريا الشمالية، ضد القوات الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة، التي ستقوم بدورها بشن هجمات مضادة ذات توجه دفاعي، للوصول إلى ما يسمى خط هوارانج بين كايسونج في كوريا الشمالية وسونجاكسان في كوريا الجنوبية، خارج المنطقة الحالية المنزوعة السلاح "DMZ". وأضاف التقرير أن القوات المشتركة في كوريا الجنوبية تنتظر بعد ذلك تعزيزات كبيرة من القيادة الأمريكية في الإندوباسيفك، لمدة تصل إلى 90 يوماً. ونوه التقرير بأن هناك أيضاً استراتيجية "7OPLAN 502″، المكونة من ثلاث مراحل. وبحسب التقرير، تتمثل مرحلتها الأولى في اعتراض غزو عسكري كوري شمالي يعبر منطقة "DMZ"، فيما تتمثل المرحلة الثانية في شن دفاع مضاد لمنع القوات من عبور "DMZ". وتدور المرحلة الثالثة حول تجمع القوات الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة لعبور منطقة "DMZ"، في هجوم مضاد لإبادة القوات الكورية الشمالية. وأكد التقرير أنه سيتم دعم هذا الجهد الأخير، بتعزيزات في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر.

أما "OPLAN 5029″، فكانت تهدف طبقاً للتقرير، إلى معالجة الوضع الذي تواجه فيه كوريا الشمالية أزمة سياسية أو عسكرية، مثل الانقلاب العسكري أو الانهيار الاقتصادي المفاجئ. وشدد التقرير على أن كوريا الجنوبية قد تقدم بعد ذلك، بعض المساعدة الإنسانية، في المقام الأول لردع التدخل الصيني خارج الجزء الشمالي من المنطقة المنزوعة من السلاح. وأوضح التقرير أنه تم الجمع في عام 2015 بين جميع استراتيجيات "OPLANs" السابقة؛ ما أدى إلى تكوين "OPLAN 5015″، التي تحتوي على مواقف دفاعية وهجومية، على عكس "OPLANs 5026/5027/5029″، التي كانت دفاعية بحتة. وأشار التقرير إلى أن "OPLAN 5015″ تشمل كلاً من قوات جمهورية كوريا وقوات "USFK"، وتفترض وصول التعزيزات الأمريكية في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر من الاشتباك الأولي. وأضاف التقرير أن "OPLAN 5015" تشمل أيضاً عمليات الضربة الوقائية ضد مواقع القيادة والسيطرة العسكرية في كوريا الشمالية ومنشآت مهمة أخرى بالقرب من بيونج يانج، ونوه بأن هذه الاستراتيجية قامت بتحديد أكثر من 700 هدف، بما في ذلك الترسانات النووية ومواقع الصواريخ داخل كوريا الشمالية.

5- اتفاق واشنطن وسيول على دليل التخطيط الجديد: وفقاً للتقرير، وافق الاجتماع التشاوري الأمني في ديسمبر الجاري على دليل التخطيط الاستراتيجي الجديد "SPG" وهو وثيقة لتحديد مسار خطط العمليات المحدثة في زمن الحرب "OPLAN" بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، لعكس التغييرات في البيئة الاستراتيجية وتوجيه خطة "OPLAN" الجديدة، التي من شأنها ردع التهديدات الكورية الشمالية والتعامل معها بشكل أكثر فاعلية. ولفت التقرير إلى أن دور الجيش الكوري الجنوبي في تحديث "OPLAN 5015" يعتمد بشكل حاسم، على ما إذا كان لديه سلطة التحكم في العمليات في زمن الحرب "OPCON"، في سلسلة القيادة والتحكم الجديدة لـ"F-CFC". وطبقاً للتقرير، كانت كوريا الجنوبية قد سلمت حق "OPCON" إلى قيادة الأمم المتحدة التي تقودها الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية 1950-1953، ثم تم نقله إلى قيادة القوات المشتركة الكورية الجنوبية-الأمريكية بقيادة الولايات المتحدة في عام 1978.

عقبات التحديث

أكد التقرير أن جهود واشنطن وسيول لتحديث استراتيجية "OPLAN 5015" تعترضها جملة من العقبات، يتمثل أهمها في:

1- إشكالية نقل سلطة التحكم في العمليات الحربية إلى سيول: نوه التقرير بأن أقرب وقت يمكن أن يحدث فيه انتقال حق "OPCON" إلى كوريا الجنوبية، هو النصف الثاني من العام المقبل. ولكن حتى هذا يبدو الآن غير مرجح، حسب التقرير، بسبب الفشل في التحقق من اختبار القدرة التشغيلية النهائية "FOC" والقدرة الكاملة للمهمة "FMC"، على النحو المنصوص عليه في اجتماع ديسمبر. وأكد التقرير أنه بغض النظر عن الإدارة القادمة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في كوريا الجنوبية، سيكون النصف الثاني من عام 2022 وقتاً حاسماً لنقل حق قيادة العمليات في زمن الحرب "OPCON"، ومن ثم لـ"OPLAN" المحدثة. وشدد التقرير على أنه بالنظر إلى الحالة الراهنة للتقدم المحرز في نقل "OPCON"، فإن "OPLAN" الجديدة قد تعكس الأولويات الأمنية للولايات المتحدة، من خلال تضمين التواصل خارج شبه الجزيرة الكورية إلى الأماكن الأخرى في منطقة الإندوباسيفك. ووفقاً للتقرير، فإنه إذا كانت تلك هي اتجاهات التخطيط الاستراتيجي "SPD"، التي اقترحتها الولايات المتحدة، فستواجه كوريا الجنوبية بعض المفاوضات الصعبة قبل الاتفاق على "OPLAN" جديدة.

2- عوائق جغرافية أمام عملية تحديث "OPLAN 5015": أوضح التقرير أن من المحتمل أن يؤثر الوضع الجغرافي لقوات "F-CFC" المشتركة على عملية إعادة تحديث "OPLAN 5015". وأشار التقرير إلى أن الاجتماع التشاوري الأمني قرر نقل جميع المقرات الرئيسية إلى معسكر همفريز بحلول أوائل العام المقبل، ومن ثم سيستضيف المعسكر المقر الجديد لـ"F-CFC" وقيادة الأمم المتحدة وقيادة جمهورية كوريا والولايات المتحدة "USFK". لكن معسكر همفريز حسب التقرير، قد لا يكون المكان الأمثل لموظفي "F-CFC" في كوريا الجنوبية لإعادة تحديد أدوارهم ووظائفهم، من أجل تحديث "OPLAN". وطبقاً للتقرير، تنقسم منشآت "F-CFC" في معسكر همفريز إلى مبنيين؛ أحدهما للموظفين الأمريكيين في "F-CFC"، والآخر للموظفين الكوريين الجنوبيين المسؤولين عن نظام القيادة والتحكم العسكري في جمهورية كوريا المعروف باسم "KJCCS". وأضاف التقرير أن من المؤكد أنه ستكون هناك عقبات كبيرة تعوق صياغة "OPLAN" الجديدة، خاصةً أن تفاعل الموظفين في هذين المبنيين بشكل شخصي أمر نادر الحدوث. ونوه التقرير بأن عدم وجود اتصال متكرر ومباشر بين موظفي جمهورية كوريا والولايات المتحدة الأمريكية قد يؤدي كذلك إلى إبطاء عملية إعادة التحديث. وأكد التقرير أن فصل الموظفين عبر مبنيين مختلفين، يعني أيضاً أن موظفي جمهورية كوريا يفتقرون بسهولة إلى المعلومات الاستخبارية الأمريكية حول الجيش الكوري الشمالي.

3- تباين الرؤى الكورية والأمريكية بشأن عملية التحديث: شدد التقرير على أنه على الرغم من أن القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، مثيرة للقلق بالتأكيد على المستوى الإقليمي أو حتى العالمي، فإن هناك بعض المعلقين يرون دافعاً آخر وراء رغبة الولايات المتحدة في إعادة كتابة "OPLAN 5015". ووفقاً للتقرير، تريد الولايات المتحدة استخدام قوات "F-CFC" لردع وكبح الأنشطة العسكرية الصينية، بالقرب من شبه الجزيرة الكورية، خاصةً أن التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية عن الجيش الصيني أكد تعزيز الترسانة النووية الصينية بشكل سريع. وأوضح التقرير أن من المقرر أن يعتمد تنفيذ خطة "OPLAN" الجديدة بشكل كبير، على أصول "ISRT" للطائرات الأمريكية. وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن هيكل "CFC" الحالي يستخدم بعض أصول القوات الجوية لجمهورية كوريا وطائرات جلوبال هوك "Global Hawk" بدون طيار، فإن هذه البيانات غير مدمجة في شبكة الاستخبارات العسكرية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تتعقب الأنشطة العسكرية الصينية.

وبما أن "USFK" هي التي تراقب حتى الآن الأنشطة العسكرية الكورية الشمالية خارج المنطقة المنزوعة السلاح وفي البحار حول شبه الجزيرة الكورية، فمن المرجح، حسب التقرير، أن تلعب "USFK" دوراً مهيمناً في تحديد شكل "OPLAN" الجديدة. ونوه التقرير بأن الاجتماع الاستشاري الأمني الأخير كشف بالفعل عن بعض الأدلة على وجود رؤى مختلفة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وأضاف التقرير أن وزير الدفاع الوطني في كوريا الجنوبية "سوه ووك" أشار إلى تغيير المواقف والقدرات العسكرية لجمهورية كوريا استجابة لمبادرة الإصلاح الدفاعي 2.0، ولتغيير هيكل "CFC" حسب الحاجة لنقل "OPCON". وطبقاً للتقرير، قدم وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" أسباباً مختلفة لتحديث "OPLAN 5015″، معرباً عن مخاوفه بشأن تقدم كوريا الشمالية في تطوير صواريخ جديدة ومتطورة، والتكهن بإمكانية تركيب رؤوس حربية نووية مصغرة على صواريخ "SLBM" وإطلاقها من غواصات صغيرة. وأكد التقرير أن من غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى ستظهر رغبة الولايات المتحدة في احتواء الصين في تحديث "OPLAN 5015". وشدد التقرير على أن اجتماع ديسمبر لم يُفصح عن تفاصيل "SPG" الجديدة؛ ما يشير إلى أن الجانبين فشلا في التوصل إلى توافق حول رؤية مشتركة.

4- تعدد القضايا التي يتعين مناقشتها في عملية التحديث: أوضح التقرير أنه بجانب مواجهة التهديد الصيني، هناك العديد من القضايا الأخرى ذات الصلة بتحديث "OPLAN 5015″، بما في ذلك مراجعة الموقف العالمي للولايات المتحدة، ومبادرة الإصلاح الدفاعي لكوريا الجنوبية 2.0، والاستعدادات لنقل "OPCON". وأشار التقرير إلى أن هذا الأخير سيتطلب تعزيز قدرات "ISRT" في كوريا الجنوبية، وإعادة تنظيم بعض الوحدات البرية، لجعل جيش جمهورية كوريا أكثر قوة ومرونة، وكذلك اعتماد تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

وختاماً، نوه التقرير بأن قوات "CFC" تلعب دوراً مزدوجاً في الوقت الحالي؛ حيث تشارك كوريا الجنوبية في الردع التقليدي، وتوفر الولايات المتحدة ردعاً موسعاً ونووياً. وأكد التقرير أن مستقبل تحالف جمهورية كوريا والولايات المتحدة على وشك التفاوض، وأن هذا سيعني على الأرجح تغييرات مهمة. وشدد التقرير على أنه من غير المؤكد على الإطلاق أن تكون كوريا الجنوبية والولايات المتحدة قادرتين على الوصول إلى حل مشترك بشأن الموقف الذي يجب أن يتخذه تحالفهما العسكري تجاه الصين، التي تعد الشريك التجاري الأساسي لكوريا الجنوبية والمنافس الجيوسياسي الأساسي للولايات المتحدة.

المصدر:

– Sukjoon Yoon and Yongweon Yu, How Will South Korea and the US Rewrite Their Operational Plan?, The Diplomat, December 22, 2021, Accessible at: https://thediplomat.com/2021/12/how-will-south-korea-and-the-us-rewrite-their-operational-plan/

هل تنجح محاولات واشنطن وسيول لتحديث خطط الطوارئ العسكرية؟