كرم سعيد


        
<p><strong>منذ سيطرة طالبان على العاصمة كابول، في 14 أغسطس الماضي، لم يَخْلُ الخطاب التركي من الإشارة إلى الحرص على دعم أواصر العلاقة مع طالبان، حيث عرضت أنقرة مساعدتها للحركة الإسلامية لإرساء الشرعية الدولية. لكن رغم ذلك، فإن ثمة حذراً تركياً تجاه الاعتراف بحركة طالبان، وقد ظهر ذلك في تحفظ أنقرة على حكومة تصريف الأعمال التي شكّلتها طالبان في 7 سبتمبر الجاري، بعدما استبعدت جانباً معتبراً من المكونات العرقية القريبة من تركيا، والتي تمثل امتداداً للعنصر التركي في البلاد. وقد أدلى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بتصريحات حذرة إزاء الحكومة الأفغانية الجديدة التي أعلنتها حركة طالبان في 7 سبتمبر الجاري، مؤكداً أنه "سيرصد مسارها المستقبلي عن كثب".</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحفظات أنقرة</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ألمحت تركيا في الأيام الماضية إلى عدم رضاها عن بعض توجهات حركة طالبان، وظهر ذلك في قراراتها حيال التعامل مع المشهد الأفغاني، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية في 25 أغسطس الماضي عن بدء سحب وإجلاء الجنود الأتراك من الأراضي الأفغانية، وتحديداً من مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، وذلك بسبب رفض طالبان الواضح بقاء قوات أي دولة أجنبية داخل أفغانستان، بما في ذلك تركيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وأبدت تركيا امتعاضها من اعتبار طالبان القوات التركية جزءاً من قوات حلف الناتو التي كانت تهمين على أفغانستان. هذا وتعتبر طالبان أن بقاء العناصر التركية المسلحة خرقاً للاتفاق الذي تم بين طالبان والإدارة الأمريكية، وهو الأمر الذي أجبر أنقرة في النهاية على سحب قواتها من أفغانستان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>علاوة على ذلك، أبدت تركيا شكوكها تجاه التشكيلة الحكومية التي أعلنتها طالبان في سبتمبر الجاري، فبينما حذر وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، في 8 سبتمبر الجاري، دول العالم من اتخاذ "قرارات متسرعة" بشأن الاعتراف بحكومة "طالبان"، وأضاف: "إن تلك الحكومة ليست شاملة كما تصورتها أنقرة"، قال الرئيس التركي عشية استقباله رئيس الكونغو الديمقراطية، في 7 سبتمبر الجاري: "كما علمتم للتو، من الصعب تسميتها دائمة، تم الإعلان عن حكومة مؤقتة". وتابع: "لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحكومة المؤقتة. واجبنا الآن هو متابعة هذا المسار عن كثب". ويبدو أن حركة طالبان تتجه نحو تعزيز الشراكة مع عدد من القوى الدولية، وبخاصة الصين وروسيا، وهو ما أثار قلق تركيا التي تعتبر هذه الدول قوى منافسة لها في الإقليم، حيث تلعب من وراء ستار دوراً مؤثراً في تقزيم حضور أنقرة في المشهد الأفغاني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اعتبارات متنوعة</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>على الرغم من أن أنقرة لعبت أدواراً متعددة في أفغانستان، خلال الفترة الماضية، ونجحت في بناء علاقة معتبرة مع طالبان؛ إلا أن ثمة أسباباً متنوعة تقف وراء تصاعد الحذر التركي من طالبان، ورفض الاعتراف بحكومة تصريف الأعمال التي شكلتها الحركة قبل أيام، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تحييد حلفاء أنقرة في أفغانستان:</strong> لا ينفصل الحذر التركي من حركة طالبان عن توجهات الحركة نحو تحييد حلفاء أنقرة المحليين في أفغانستان، وظهر ذلك في استبعاد التشكيلة الحكومية التي أعلنتها الحركة مؤخراً أي عضو من عرقيات التركمان والهزارة والعرب والبلوش، حيث اقتصرت على النخب الضيقة للحركة، وجاءت غالبيتها العظمى من عرقية البشتون. وهنا، يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية التركي الذي أكد على "أن تركيا والعالم بحاجة إلى عدم التسرع عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بالحكومة".</p>



<p>وتجدر الإشارة إلى أن عرقيات التركمان والطاجيك والأوزبك تمثل إحدى الأدوات الرئيسية للسياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة؛ حيث أعادت أنقرة إحياء روابطها مع تلك الأقليات في السنوات الماضية بهدف تعزيز نفوذها في المنطقة بشكل كبير.وكان الرئيس التركي قد أكد على أهمية الانفتاح التركي على الأقليات الأفغانية التي تنحدر أصولها للأناضول.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- الانسجام مع المواقف الدولية: </strong>على الرغم من حرص تركيا على دعم نفوذها في أفغانستان، إلا أنها تسعى إلى التناغم مع موقف المجتمع الدولي فيما يخص التعامل مع طالبان، وخصوصاً حلف شمال الأطلسي الذي كانت تركيا جزءاً رئيسياً من قواته في كابول، وساهمت ضمن مهمته في أفغانستان.</p>



<p>بالإضافة إلى ما سبق، لا تريد أنقرة الدخول في صدام مع واشنطن أو تل أبيب، خاصة بعد تأكيد الحركة رفضها القاطع إقامة أية علاقة مع إسرائيل، لذلك تنتظر أنقرة قيام طالبان بتقديم الضمانات الاجتماعية والسياسية والقانونية والدولية الكافية لتسهيل العبور نحو مرحلة جديدة في البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تجنب اتهامات دعم الراديكاليين: </strong>كما أن تركيا لا تريد أن تكون صاحبة السبق في الاعتراف بالحركة، أو فتح الطريق أمام شرعنة وجودها دولياً، حتى لا يتم اتهامها مجدداً بالترويج للتيارات الراديكالية المؤدلجة، وهي الاتهامات التي ساهمت في تشويه الصورة الذهنية لتركيا، وأفقدتها جانباً معتبراً من مصداقيتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- شكوك تركية في توجهات طالبان:</strong> تحاول حركة طالبان منذ إمساكها بمفاصل المشهد الأفغاني في منتصف أغسطس الماضي، تقديم نفسها في صورة مغايرة عن سابقتها في تسعينيات القرن الماضي؛ وهو ما ظهر في استبدال الحركة مواقع التصوير في الجبال بمنصات فضائية حديثة، فضلاً عن حوارات ولقاءات قادتها مع الصحافة الأجنبية، مع التأكيد في خطابها الإعلامي على حقوق النساء والأقليات.</p>



<p>غير أن ثمة شكوكاً تركية في هذا الخطاب، يغذيها التناقض الواضح بين مفردات خطاب طالبان المعلن، وبين سلوكياتها العملية على الأرض، وكان بارزاً هنا الاشتباكات التي وقعت بين مسلحي الحركة مع مسيرات للمدنيين، ناهيك عن اتهام الحركة بتنفيذ الإعدامات ضد المتعاونين مع قوات الناتو.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما تصاعدت الشكوك التركية في توجهات الحركة الدعائية، خصوصاً بعد استبعاد الحركة العنصر النسائي من حكومة تصريف الأعمال، ناهيك عن اتخاذ طالبان ما سمته بـ"إجراءات قصيرة الأمد"، تضمنت إلزام النساء العاملات بالبقاء في المنازل مؤقتاً حتى يتم وضع هياكل تنظيمية لطريقة عملهن. في هذا السياق، فإن تركيا لا تريد أن تتعجل في شرعنة طالبان، التي قد تلجأ من دون مبرر إلى ارتكاب حماقات سياسية، أو تمارس انتهاكات حقوقية، لا سيما وأن خطاب الحركة لا ينسجم في جانب معتبر منه مع تصرفاتها على الأرض.</p>



<p></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في الختام، يمكن القول إنه على الرغم من سعي أنقرة لتوظيف علاقاتها مع حركة طالبان، لتعظيم نفوذها في أفغانستان؛ إلا أن هناك العديد من المحاذير التي لا تزال تثير شكوك تركيا في حركة طالبان وتوجهاتها، سواء داخلياً أو خارجياً.</strong></p>

      

لماذا تتزايد التحفظات التركية على حركة طالبان؟