نريمان عبد الفضيل

قام وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بجولة لخمس دول من أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، والتي تعتبر الأولى منذ توليه منصبه، وقد استهلها بزيارة بنما من أجل مناقشة مطالب الرئيس الأمريكي المتعلقة باستعادة قناة بنما ووضعها تحت السيطرة الأمريكية، إلى جانب مناقشة النفوذ الصيني المتزايد في القناة والحد منه، وذلك لأنه يعطل المصالح التجارية والاقتصادية الأمريكية؛ مما يؤثر بالسلب على الأمن القومي الأمريكي، في حين واصل روبيو جولته إلى السلفادور من أجل تعزيز الشراكة النووية. وشملت الجولة كلاً من جواتيمالا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان من أجل تعزيز الجهود المشتركة لإنهاء أزمة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة تهريب المخدرات التي تعاني منها الولايات المتحدة.أهداف الزيارةثمة عديد من الأهداف التي كانت وراء زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى دول أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:1- التأكيد على أولوية المنطقة لإدارة ترامب: تأتي زيارة روبيو إلى أمريكا الوسطى لتعكس دوره في التأكيد بشكل نشط على مبدأ الرئيس دونالد ترامب الذي تبناه خلال فترة ولايته الأولى، والذي يتبناه أيضاً في ولايته الثانية، والدليل على ذلك أنه خالف التقاليد المتعارف عليها بعد تنصيب أي وزير خارجية أمريكي بأن يقوم في أولى زياراته الخارجية بزيارة دولة حليفة ليؤكد على التعاون المشترك، إلا أن روبيو لم يلتزم بهذا التقليد، بل قام بزيارة خمس دول في أمريكا الوسطى، وكان اختيار المنطقة ليس من قبيل الصدفة بل لأن ترامب منذ تولية منصبه أطلق برنامجاً واسعاً لترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، في حين أن هذه الدول التي سيزورها روبيو أثناء جولته تشكل مصدراً كبيراً للمهاجرين الذين يطمحون للسفر إلى الولايات المتحدة من أجل تحقيق حلمهم.2- تعزيز التعاون لمكافحة تهريب المخدرات: من بين الأهداف التي سعى روبيو إلى تحقيقها من خلال زيارته الوصول إلى تعاون مشترك مع دول أمريكا الوسطى من أجل مكافحة تهريب المخدرات التي تدخل للولايات المتحدة عبر حدودها الشمالية والجنوبية من دول مثل كندا والمكسيك، والتي تسببت في حدوث أزمة الفنتانيل ومواد مخدرة أخرى، والتي تعاني منها الولايات الأمريكية. وجدير بالذكر أنه حصل بالفعل على تعهد من الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو بأنه سيساعد واشنطن في حملتها لمكافحة تهريب المخدرات والحد منها.3- تعميق الجهود المشتركة بشأن الهجرة: يبدو أن الهدف الأساسي من الزيارة هو تعزيز الجهود المشتركة لإنهاء أزمة الهجرة غير الشرعية التي تعاني منها الولايات المتحدة، وخاصة أن هذه الدول قد تكون مصدراً للمهاجرين غير الشرعيين الذين يريدون تحقيق حلمهم في السفر للولايات المتحدة، وبالفعل حصل على صفقة من بنما بموجبها يُسمح بترحيل المهاجرين غير القانونيين والمسافرين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية عن طريق بنما باعتبارها نقطة العبور، وهذه الخطوة دليل على أن بنما تسعى جاهدة لتعزيز تعاونها مع واشنطن، وأنها تعمل على إقامة علاقات جيدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته.4- تنفيذ مطالب ترامب باستعادة قناة بنما: كان مطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الأولويات التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أثناء زيارته لبنما، في حين أنه قدم للرئيس البنمي عرض ترامب الذي اقترحه وهو استعادة قناة بنما لتكون تحت السيطرة الأمريكية كما كانت قبل عام 1977، وذلك نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها القناة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن حوالي 72% من جميع السفن الأمريكية تمر عبر قناة بنما، وأن واشنطن لديها قلق من زيادة الاستثمارات الصينية في القناة من أن تعطل مصالحها التجارية في القناة، ولكن الرئيس البنمي عارض هذا الاقتراح ورفض أي تفاوض بشأن ملكية القناة.5- الضغط على بنما لوقف أنشطتها التجارية مع الصين: سعى روبيو من خلال زيارته لبنما إلى الضغط عليها لوقف أنشطة الصين التجارية في قناة بنما وإلا سيلجأ ترامب إلى استخدام القوة لاستعادة القناة وجعلها تحت السيطرة الأمريكية مرة أخرى، وبالفعل استجاب الرئيس البنمي مولينو للتهديد، وتعهد بإنهاء اتفاقية التنمية الرئيسية مع الصين، وأنه لن يجدد مذكرة التفاهم لعام 2017 للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية للتنمية العالمية.6- مواجهة النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية: تعكس زيارة روبيو لأمريكا الوسطى رغبة الولايات المتحدة في تعزيز نفوذها في نصف الكرة الغربي، وذلك من أجل الحد من نفوذ الصين المتزايد في أمريكا اللاتينية، وذلك لأن الصين لديها اهتمام متزايد بهذه المنطقة، وخاصة في بنما، حيث إنها عملت على زيادة استثماراتها في السنوات الأخيرة، فقد أبرمت صفقة بقيمة 900 مليون دولار في عام 2016، والتي استحوذت من خلالها على جزيرة مارجريتا، إلى جانب مشاركة العديد من الشركات الصينية في العقود المتعلقة بالبنية التحتية لقطاعات الخدمات اللوجستية والكهرباء في بنما في عام 2018. بالإضافة إلى أنه في عام 2021، بدأت الحكومة البنمية عملية تجديد إيجار لشركة سي كيه هاتشينسون هولدنجز، والتي مقرها في هونج كونج، بإدارة ميناءين يقعان على مدخل قناة بنما، وهذه الاستثمارات الضخمة أثارت مخاوف واشنطن، لذلك أرادت واشنطن تحسين علاقتها مع هذه المنطقة لمواجهة الصين.7- إقامة شراكة نووية مدنية مع السلفادور: هدف روبيو من زيارته إلى إقامة شراكة نووية بين واشنطن والسلفادور، وذك من خلال ما قام به من توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون الاستراتيجي في المجال النووي المدني مع نظيرته السلفادورية ألكسندر هيل تينوكو، في حين أن هذه المذكرة تعتبر خطوة نحو إقامة شراكة نووية مدنية قوية بين البلدين، وهذا الأمر سيساعد في تعزيز أمن الطاقة ودعم الازدهار الاقتصادي، إلى جانب أنها ستسهم في تعزيز التعاون النووي السلمي بين البلدين، وتطبيق أعلى معايير السلامة والأمن وعدم الانتشار النووي.8- توقيع اتفاقية مع السلفادور بشأن الهجرة: سعى روبيو من خلال زيارته إلى السلفادور إلى إقناعها بالتعاون مع واشنطن لاستيعاب بعض المهاجرين غير القانونيين في أراضيها، وبالفعل استطاع روبيو أن يحصل على موافقة السلفادور على استقبال المهاجرين من الولايات المتحدة من الجنسيات المختلفة، بما في ذلك المجرمون المدانون بجرائم عنف، في حين تعتبر هذه الاتفاقية التي حصل عليها روبيو هي اتفاقية استثنائية وغير مسبوقة في كل أنحاء العالم بشأن الهجرة.تجنب المخاطروختاماً، يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو آتت ثمارها التي سعت إلى تحقيقها، وذلك من خلال تعهد الدول في أمريكا اللاتينية بالتعاون مع واشنطن ومساعدتها في إنهاء مشكلة الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، والدليل على ذلك الاتفاقية الاستثنائية التي عقدتها السلفادور مع روبيو بشأن استيعاب المهاجرين غير الشرعيين في أراضيها، وقد يفسر استجابة هذه الدول لمطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتعاون معه بأن هذه الدول تحاول أن تتفادى أن يطبق عليها ترامب رسوماً جمركية مثلما فعل مع الصين وكندا والمكسيك، وذلك لأن الرسوم الجمركية هي سلاحه المطلق الذي يستخدمه مع أي دولة تعارض مطالبه، لذلك سعت هذه الدول إلى إقامة علاقات جيدة معه.

أهداف زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لأمريكا الوسطى