د. حمدي بشير

أكدت تقارير إعلامية إسبانية، في 16 يناير 2025، أن مواطناً يحمل الجنسية الإسبانية تعرض للاختطاف من طرف جماعة مسلحة بجنوب الجزائر، وتم نقله بعد ذلك إلى مالي، مشيرة إلى أن التنظيم المشتبه في قيامه بعملية الاختطاف هو تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى"، وهو ما يطرح تساؤلات حول دلالات توسيع تنظيم داعش عملياته في جنوب الجزائر.دلالات عديدةثمة دلالات عديدة لعودة تنظيم داعش لتنفيذ عمليات في جنوب الجزائر، ويتمثل أبرزها في النقاط التالية:1- تزايد النشاط الدعائي لتنظيم داعش الصحراء: حيث تأتي عملية اختطاف السائح الإسباني في الوقت الذي يعمل فيه التنظيم الأم على مواصلة إعادة بناء نفسه ببطء في وسط سوريا، وقد أتاح الانهيار المفاجئ لنظام الأسد فرصة لداعش للاستيلاء على مخزونات كبيرة من الأسلحة في قواعد نظام الأسد السابقة، وهناك بعض الأدلة على أن داعش استغل هذه الفرصة بالفعل. على سبيل المثال، استهدفت القيادة المركزية الأمريكية ودمرت "حمولة شاحنة" من أسلحة داعش التي ربما استولى عليها التنظيم من مخزون نظام الأسد السابق، بينما تدعم فروع داعش الأفريقية، مثل داعش الصحراء، دعاية التنظيم الأم على المستويين الدولي والإقليمي.وقد أعلنت فروع داعش الأفريقية عن عدد من الهجمات كل عام أكبر من جميع ولايات داعش الأخرى مجتمعة منذ عام 2023. وشكلت فروع داعش الأفريقية ما يقرب من 70% من جميع الهجمات التي أعلن داعش مسؤوليته عنها في عام 2024، و64% من جميع الضحايا الذين أعلن داعش مسؤوليته عنهم. ويعد هذا النشاط الدعائي أمراً بالغ الأهمية لشرعية داعش كقوة حاكمة. وتغطي وسائل إعلام داعش هذا النشاط لإظهار قوته المستمرة في جميع أنحاء العالم على الرغم من حقيقة أنه لم يعد يسيطر على خلافة إقليمية في الشرق الأوسط.2- هشاشة الوضع الأمني في جنوب الجزائر: حيث تؤكد هذه الأحداث في جنوب الجزائر والمناطق الحدودية ما نشرته العديد من التقارير الدولية بشأن وجود تهديدات أمنية كبيرة في المنطقة، وأن الجزائر تخشى من القلاقل والتوترات التي قد تحدث على حدودها الجنوبية، ولا سيما مع استمرار عمليات الجيش المالي ضد الحركات الأزوادية في شمال مالي. وما من شك في أن الجزائر تواجه تحديات غير مسبوقة على حدودها الجنوبية مع دول الساحل، التي تسعى لتحرير نفسها من نفوذ القوى الخارجية، وخاصة أن مدينة تينزواتين، الواقعة على الحدود الجزائرية-المالية، أصبحت نقطة ساخنة للصراعات الإقليمية، مع تصاعد الحركات الانفصالية والمواجهات المسلحة، علاوة على ضعف التنسيق الأمني بين الجزائر ومالي، حيث تتهم الأخيرة الأولى بتقديم الدعم المباشر لبعض الحركات المسلحة، مثل تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، المنافس لداعش في المنطقة، وأن الجزائر تهدف إلى إبقاء الصراعات جنوبها تحت سيطرتها.3- الدعم المتبادل بين داعش والبوليساريو: حيث ينتمي العديد من المقاتلين في صفوف تنظيم داعش إلى منطقة الصحراء الغربية، ويلقبون دائماً بالصحراويين، مثل أبو الوليد الصحراوي، الذي كان زعيماً لداعش في الساحل والصحراء وجاء من البوليساريو. لذلك يرجح أن يكون الهدف من عملية اختطاف السائح الإسباني هو استهداف المصالح الإسبانية رداً على موقف إسبانيا واعترافها بمبادرة الحكم الذاتي المغربية في منطقة الصحراء، وفي إطار التنسيق والتحالف والتعاون المتبادل بين جبهة البوليساريو وتنظيم داعش. كما أن العديد من عناصر داعش قد تدربت على أيدي الجبهة.4- توسع نفوذ التنظيم وسيطرته في مالي: حيث تشير عملية اختطاف السائح الإسباني إلى أن داعش (الأم) قد تمكن من فرض سيطرته على بعض المناطق في مالي بشكل يمكنه من حماية واحتجاز الرهائن، فقد استغل بشكل استراتيجي الفراغ الأمني ​​الناجم عن انسحاب القوات الفرنسية لتوسيع نطاق نفوذه في منطقة الحدود الثلاثية في ليبتاكو-غورما، وخاصة في الأجزاء الشمالية من منطقة ميناكا في مالي. وتعتبر منطقة ميناكا-أنديرامبوكان-أبالا هي منطقة أساسية ضمن منطقة عمليات داعش في الساحل. كانت مدينة أنديرامبوكان الحدودية بمثابة العاصمة الإدارية بحكم الأمر الواقع منذ أن مُنحت الجماعة وضع المقاطعة في مارس 2022. تقع العاصمة الإقليمية، ميناكا، أيضاً في هذه المنطقة العسكرية وستكون "جوهرة التاج" لولاية داعش الإقليمية الكاملة في الساحل.والدليل على ذلك هو حقيقة أن مقاتلي داعش في الساحل هاجموا مواقع القوات المسلحة المالية وفاغنر والمليشيات في بلدة ميناكا أربع مرات في عامي 2023 و2024. وخلال هذا الوقت، فرضت الجماعة حظراً تجارياً على حركة المرور داخل وخارج ميناكا وحاصرت المدينة وعزلتها مؤقتاً من جميع الجهات. بالإضافة إلى ذلك، نفذوا عدة اغتيالات استهدفت ضباطاً من فصيل دوشاك العرقي لمليشيا حركة إنقاذ أزواد MSA-D، وهاجموا مخيمات للنازحين داخلياً على مشارف المدينة.تداعيات محتملةمن المتوقع أن يكون لتوسيع داعش عملياته في الجنوب الجزائري تداعياته المحتملة على السياسات الأمنية في المنطقة، وذلك على النحو التالي:1- توسيع إسبانيا تحالفاتها الأمنية في المغرب العربي والساحل: خاصة مع المغرب وموريتانيا، إذ أبدت إسبانيا اهتماماً خلال الفترة الأخيرة بتعزيز التعاون مع موريتانيا في العديد من الملفات الأمنية مثل مكافحة الهجرة غير النظامية والإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي. وقد جددت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلس، خلال زيارتها لموريتانيا في أكتوبر 2024، دعم بلادها لموريتانيا في جهودها لتأمين ومراقبة حدودها. وخلال زيارتها التي استمرت يومين لموريتانيا، التقت روبلس بوزير الدفاع حنينا ولد سيدي في مقر وزارة الدفاع في نواكشوط. وناقشا العلاقات الدفاعية الموريتانية الإسبانية واستعرضا التعاون بين الوزارتين.2- تصاعد التوتر في العلاقات الجزائرية-الإسبانية: وهو ما قد يتحقق بعدما شهدته هذه العلاقات من تدهور كبير بعد زيادة التقارب بين المغرب وإسبانيا، وقد توجه إسبانيا اللوم للجزائر على عدم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية مواطنيها. وربما توجه لها اتهامات بتسهيل تنفيذ عمليات إرهابية ضد رعاياها، وهو الأمر الذي قد يدفع إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين. وبرغم أن الحزائر قد أعلنت في نوفمبر 2024 رفع الحظر التجاري الكامل مع إسبانيا بعد نحو 900 يوم من العقوبات الاقتصادية بسبب قرار حكومة بيدرو سانشيز الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، لكن مع ذلك لا تزال الجزائر تراقب بقلق زيادة التقارب بين مدريد والرباط.3- استمرار داعش في توسيع عملياته في جنوب الجزائر: فمع استمرار الصراع في شمال مالي وحالة الهشاشة الحدودية على الحدود الجزائرية – المالية يمكن توقع تنفيذ داعش عمليات جديدة ضد الرعايا الأجانب في جنوب الجزائر. علاوة على محاولات داعش اختراق الجزائر من الداخل، ففي ديسمبر 2024، عرضت الجزائر عبر وسائل إعلام محلية فيلماً وثائقياً بعنوان "فشل المؤامرة.. صقور الجزائر تنتصر"، كشفت فيه عن إحباط تجنيد مواطن جزائري، أحد العائدين من القتال في صفوف تنظيم داعش الإرهابي، حيث اتهمت السلطات الجزائرية المخابرات الفرنسية بالضلوع في المؤامرات ضد الجزائر. وعلى الرغم من أن الأمر قد يرتبط بالدعاية والدعاية المضادة بين باريس والجزائر، لكن تزايد احتمالية عودة المقاتلين من سوريا والحواضن الداخلية لا يزال يمثل خطراً على استقرار الجزائر.4- تكثيف الجيش المالي جهوده الأمنية ضد داعش: ففي الخامس من يناير 2024، أعلن الجيش المالي اعتقال زعيم جماعة مرتبطة بتنظيم داعش، وأعلن الجيش بعد ذلك اعتقال شخصين هما محمد ولد ركحيل الملقب بأبو رقية وأبو هاش، ووصف الأخير بأنه "زعيم الصف الأول". وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المالية في بيان إنها نفذت العملية التي قُتل فيها عدد من مقاتلي التنظيم. وزعمت أيضاً أنها عثرت على مواد مخصصة لتصنيع العبوات الناسفة البدائية. وقال جيش مالي إن أبو هاش كان مسؤولاً عن تنسيق العمليات الإرهابية ضد المدنيين في منطقتي ميناكا وغاو في شمال شرق البلاد والهجمات ضد الجيش. وأضافت أن "التحقيقات الرئيسية تؤكد أنه تعاون بشكل نشط مع أبو حذيفة وأسامة مدلو، وهما زعيمان إرهابيان تم تحييدهما في وقت سابق".وإجمالاً، يمكن القول إنه من المتوقع أن تتوسع عمليات تنظيم داعش في جنوب الجزائر والساحل الأفريقي، وربما يستهدف التنظيم في المرات القادمة دولاً جديدة مثل موريتانيا والمغرب ويرتبطان بعلاقات وثيقة مع الدول الغربية، كما يتوقع أن يستفيد التنظيم من شبكة تحالفاته مع الحركات الانفصالية والجريمة المنظمة، ولا سيما في تمويل وتسليح عملياته. وتوفر هذه البيئة غير المستقرة فرصاً للتنظيم لتوسيع أنشطته. وهو يستغل ضعف الحكومات وانسحاب القوات العسكرية الغربية من المنطقة في تمديد رقعة سيطرته الجغرافية. وبات التنظيم يتطلع للوصول والسيطرة على السلطة وتكرار النموذج الأفغاني بعد انسحاب القوات الأمريكية من افغانستان، وكذا النموذج السوري بعد سيطرة هيئة تحرير الشام عقب سقوط الأسد.

ما تداعيات عودة عمليات تنظيم داعش في جنوب الجزائر؟