إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

وجَّه الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" العديد من الانتقادات إلى إدارة الرئيس المنتهية ولايته "جو بايدن"، مشيراً إلى قدرته على إجراء الكثير من التغييرات فور وصوله إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025، ومقدماً العديد من الوعود للناخبين الأمريكيين في مختلف الموضوعات والقضايا التي تشغل اهتمامهم؛ بدءاً من الاقتصاد والهجرة والطاقة، وصولاً إلى قضايا السياسة الخارجية، بيد أن "ترامب" خلال لقاءاته الأخيرة عاود الحديث، موضحاً عدم قدرته على إجراء بعض التغييرات بشكل فوري، لافتاً إلى أنه ليست لديه القدرة على التحكم في هذه الأمور.وعود عديدةقدَّم "دونالد ترامب"، خلال حملته الانتخابية التي استمرت على مدار الأشهر المنصرمة، العديد من الوعود بشأن مختلف القضايا، وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه الوعود:1– خفض أسعار المنتجات والسلع الاستهلاكية على المواطنين: أبدى "ترامب"، خلال حملته الانتخابية، اعتراضه على السياسات الاقتصادية التي تم تنفيذها من جانب إدارة "بايدن"، مشيراً إلى أنها السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية على المواطنين، متقدماً بوعود بخفض مختلف الأسعار. وعقب فوزه، وخلال مؤتمر صحفي عقده في فلوريدا، قال "ترامب": "سننفذ سلسلة سريعة من الإصلاحات الجريئة لاستعادة رخاء أمتنا الكامل ... وبناء أعظم اقتصاد شهده العالم على الإطلاق"؛ وذلك في تأكيد قدرته على إدارة ملف الاقتصاد بطريقة صحيحة مختلفة عن "بايدن".2– حل مشكلة الهجرة المؤرقة للمواطنين في الولايات الحدودية: وعد الرئيس "ترامب"، طوال حملته الانتخابية، بتشديد إجراءات الهجرة واللجوء إلى الولايات المتحدة، وتنفيذ عمليات "ترحيل جماعي" سيستخدم خلالها كافة الأدوات والوسائل المتاحة له، ومنها الجيش الأمريكي، كما سيتجه نحو استكمال بناء الجدار الحدودي الذي عمل على بنائه خلال ولايته الرئاسية الأولى في عام 2016، مشيراً إلى أن المهاجرين غير الشرعيين هم السبب في ارتفاع معدلات الجريمة، وأسعار السلع والمنتجات داخل الولايات المتحدة.3– تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري واستخراج النفط في البلاد: أكد الرئيس المنتخب، خلال حملته الانتخابية، أنه سيدعم صناعة النفط والطاقة في الولايات المتحدة، لجعل أسعار الطاقة أكثر استقراراً بعيداً عن الاضطرابات التي تشهدها الساحة العالمية، مشيراً إلى أنه سيتراجع عن العديد من الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس "جو بايدن" المرتبطة بمنع استخراج النفط والوقود الأحفوري، وتنفيذ مشاريع طواحين الهواء في العديد من الأراضي الفيدرالية؛ بسبب انعكاساتها على التغير المناخي.4– العفو عن مثيري الشغب خلال أحداث يناير 2020: أكد الرئيس "ترامب" أن شغله الشاغل في منصبه خلال اليوم الأول سيكون تقديم العفو الرئاسي عن آلاف الأمريكيين الذين يقعون في خانة "مثيري الشغب" بسبب اعتدائهم على مبنى الكونجرس الأمريكي عشية السادس من يناير 2020 للاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أكدت فوز الرئيس "جو بايدن"، ويرى أن هؤلاء الأفراد تم الحكم عليهم ظلماً.5– تقييد منح الجنسية عند الولادة داخل الولايات المتحدة: أشار الرئيس "ترامب" إلى أنه سيعمل على إلغاء التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي الذي يمنح المولودين على الأراضي الأمريكية الحق في الحصول على الجنسية فور ولادتهم. وسيمثل هذا الأمر أولوية بالنسبة إليه، لافتاً إلى أن هذا الأمر لا يتم العمل به داخل أي دولة سوى الولايات المتحدة الأمريكية.6– المساهمة بفاعلية في إنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية: أكد الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" أنه على مستوى السياسة الخارجية، ستكون قضية إنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية من أوائل القضايا التي يوليها اهتمامه، مشيراً إلى أنه سينهي تلك الحرب التي تتسبب في قتل الأوكرانيين والروس على حد سواء، ولفت إلى أنه آن الأوان للتوقف عن منح أوكرانيا المزيد من المساعدات الأمريكية التي تأتي من أموال دافعي الضرائب.عوامل داعمة هناك جملة من العوامل التي قد تُمكِّن "ترامب" من تنفيذ بعض سياساته ووعوده، ومن أبرزها ما يلي: 1– امتلاك صلاحيات عديدة بشأن قضية الهجرة: على صعيد آخر، وبغض النظر عن استخدام الجيش في قضية الهجرة، يمتلك "ترامب" مجموعة أخرى من الصلاحيات التي يمكنه استغلالها وفقاً لأحد أبرز مستشاريه "جيسون ميلر"، على غرار إعادة تفعيل المادة 42، وتشديد القيود على الحدود الجنوبية الأمريكية لمنع دخول المزيد من المهاجرين غير الشرعيين، مع التوسع في تنفيذ سياسة "البقاء في المكسيك" لحين البت في أوراق طلب اللجوء والهجرة للأفراد، وهي السياسة التي تم تقييدها خلال إدارة الرئيس "جو بايدن".ويمتلك "ترامب" فريقاً من المنتظر تأكيده في مجلس الشيوخ، كان أفراده من بين واضعي خطط الهجرة في ولايته الأولى، على غرار "ستيفن ميلر"، الذي اختاره "ترامب" نائباً لكبير موظفي البيت الأبيض، و"قيصر الحدود" "توم هومان" المدير السابق لدائرة الهجرة والجمارك، والمرشحة لمنصب وزيرة الأمن الداخلي "كريستي نويم". وعلى نحو آخر، هناك نقاشات أخرى تتعلق بتعزيز طرق الهجرة القانونية، مثل توسيع نطاق تأشيرة H–2A، التي تسمح للعمال الزراعيين الموسميين بالدخول للعمل في الولايات المتحدة.2– إمكانية تنفيذ سياسة خارجية مختلفة جذرياً: يمتلك الرئيس الأمريكي القدرة على التحرك في ملفات السياسة الخارجية بالطريقة التي تتماشى مع منظوره وأيدولوجيته. ويمتلك الكونجرس القدرة على مساءلة الرئيس أو عرقلة بعض الخطوات التي قد تضر بالأمن القومي الأمريكي. ولكن فيما يتعلق بإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية، ومع وجود كونجرس ذي أغلبية جمهورية يدعم توجه "ترامب"، فإن الرئيس المنتخب قد يكون قادراً على إنهاء هذه الحرب بشكل سريع فور وصوله إلى البيت الأبيض.3– تمتع "ترامب" بصلاحية إصدار العفو: يمتلك الرئيس الأمريكي، وفقاً للدستور الأمريكي، السلطات التي تمنحه القدرة على تقديم العفو الرئاسي لمن يرى أن ذلك مناسباً له. وقد أوضح العديد من المشرعين – أغلبهم جمهوريون وبعضهم ديمقراطيون – أن الرئيس يتمتع بهذا الحق، وأنه لا يوجد من يعوق قدرته على استخدامه خلال وجوده في البيت الأبيض، بما يعني أن إصدار قائمة بالعفو عن مثيري الشغب لن يجد معارضة كبيرة، وأن "ترامب" سيكون قادراً على تنفيذها.4– القدرة على إلغاء التصاريح المتعلقة بالحفر: يمتلك الرئيس "ترامب" القدرة على إلغاء العديد من الأوامر التنفيذية المتعلقة بمنع الحفر في الأراضي الأمريكية لتعزيز إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة. وبالرغم من أن هذا الأمر ستقابله معارضة من جانب داعمي المناخ ورعاة البيئة، فإن هذا الاعتراض لن يكون عائقاً أمام "ترامب" لإصدار المزيد من التصاريح بالحفر.تحديات معرقلة هناك مجموعة من المعوقات التي قد تمنع "ترامب" من تحقيق بعض ما وعد به، ويمكن توضيح أبرز هذه المعوقات عبر ما يلي:1– عدم قدرة "ترامب" على التحكم في خفض الأسعار: بعد الوعود التي قدمها "ترامب" بشأن قدرته على خفض الأسعار، أوضح خلال لقاء صحفي له مع مجلة "تايم"، أن من الصعب خفض الأسعار بسهولة بعد ارتفاعها، مشيراً إلى أنه سيحرص على خفض أسعار الطاقة وتحقيق الاستقرار في سلاسل التوريد في الولايات المتحدة، بما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض الأسعار.ولكن هذا الأمر يتطلب جهداً على عدة مستويات داخلية وخارجية لتحقيق استقرار في سلاسل التوريد وأسعار الطاقة كما يشير "ترامب"، لا سيما أن التعريفات الجمركية التي ينوي فرضها على منتجات العديد من الدول، من شأنها أن تتسبب في حدوث اضطرابات، بل وارتفاع الأسعار على المستهلكين والمنتجين الأمريكيين الذين سيضطرون إلى رفع أسعار السلع والمواد التي يعتمدون على استيرادها من الخارج.2– صعوبة استخدام الجيش الأمريكي في عمليات الترحيل: أبدى العديد من المشرعين استياءهم من وعود "ترامب" باستخدام الجيش الأمريكي لمساعدته على حل مشكلة الهجرة على الحدود، مشيرين إلى أن هذه المهمة لا تقع ضمن اختصاصات الجيش، كما أن جنود وضباط الجيش غير مؤهلين لهذه المهمة، التي تقع بالأساس ضمن اختصاص رجال حرس الحدود والجمارك بالتعاون مع أفراد الشرطة المؤهلين للتعامل مع المدنيين، ومنهم المهاجرون، لافتين إلى أن وعود "ترامب" بشأن الجيش، تعد نوعاً من أنواع "تسييس المؤسسة العسكرية"، بما يمثل خطراً على الأمن القومي الأمريكي. وعلى نحو آخر، قد يواجه "ترامب" معارضة من جانب بعض الدول في الاستجابة لعملية استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين يتم ترحيلهم.3– الصدام مع الديمقراطيين والمحاكم بشأن مسألة منح الجنسية: سيكون هناك صعوبة أمام الرئيس "ترامب" في تغيير أو منع حق يكفله الدستور الأمريكي. ويشير بعض الجمهوريين إلى أن المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة التي عيَّنها "ترامب" ستُساعده على تغيير هذا الحق، لكنه سيواجه صداماً مع المشرعين الديمقراطيين داخل الكونجرس، ومع الجمهوريين الرافضين للفكرة، خاصةً أن أي تعديل دستوري يتطلب موافقة ثلاثة أرباع الولايات الأمريكية، ودعم ثلثي أعضاء الكونجرس، بيد أنه على صعيد آخر، يشير البعض إلى أن الرئيس قادر على تقويض عمليات منح الجنسية لمواليد السائحين أو للطلاب الأجانب الذين ينجبون داخل الأراضي الأمريكية، وهو أمر قد تدعمه المحكمة العليا.التفاف متوقع وختاماً، يمكن القول إن الرئيس "ترامب" سيقوم خلال الفترة المقبلة بتغييرات كبيرة تتعلق بمختلف السياسات، سواء الاقتصادية أو المرتبطة بالهجرة أو السياسات الخارجية. وما سيعزز هذا الأمر، هو وجود فريق قريب من "ترامب" مُوالٍ له كلياً، ووجود كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون، حتى لو كانت هناك عراقيل تشريعية تجاه بعض القضايا، فإن "ترامب" سيكون قادراً على الالتفاف حولها أحياناً من خلال الأوامر التنفيذية أو السياسات التي ستتبناها إدارته القادمة.

هل يتمكن "ترامب" من تحقيق وعوده خلال إدارته القادمة؟