ياسمين أيمن

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، موضحاً أنه سيدعو روسيا إلى طاولة المفاوضات، ومهدداً بأنه في حال رفضت موسكو فإن ذلك سيدفعه لتطبيق مجموعة من العقوبات عليها، بجانب مجموعة من الرسوم الجمركية على مختلف السلع الروسية التي يتم توريدها للولايات المتحدة، وهو تهديد مباشر من جانب ترامب للجانب الروسي للضغط عليه لإنهاء هذه الحرب، التي صرح طوال حملته الانتخابية بأنها لم تكن لتحدث لو كان هو من يدير الوضع في الولايات المتحدة بدلاً من الرئيس السابق جو بايدن.أبعاد عديدةتحمل تصريحات ترامب بشأن تطبيق مجموعة من العقوبات على روسيا في حال رفضت الجلوس على طاولة المفاوضات مجموعة من الدلالات، التي يمكن الإشارة إليها فيما يلي:1- تعزيز الضغط على روسيا لإنهاء الحرب: يسعى ترامب للتلويح بإمكانية استخدام الأدوات الاقتصادية للضغط على موسكو للجلوس إلى طاولة المفاوضات، خاصة أن هناك مجموعة من العقوبات المطبقة بالفعل على بعض الكيانات الروسية سواء كانت مؤسسات أو أشخاصاً، وبسبب الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات فإن روسيا تعاني من ضغوط اقتصادية، ولذلك فإنها لا ترغب في تحمل المزيد من الضربات والخسائر الاقتصادية في الوقت الراهن، ومن ثم ستكون أكثر رغبة في الخنوع لترامب لإنهاء هذه الحرب.2- رغبة ترامب في تقليل المساعدات العسكرية لأوكرانيا: بالرغم من أن خطابه وتهديده موجه إلى موسكو، فإن تهديدات ترامب تحمل رسائل ضمنية مفادها أنه لن يقبل باستمرار تقديم المساعدات الأمريكية العسكرية والمالية إلى كييف إلى أجل غير مسمى، وأنها ستكون مجبورة هي الأخرى على الانصياع لأوامر ترامب، وإلا سيتخلى عنها، وسيسمح لموسكو باحتلال المزيد من أراضيها في حال رفضت كييف التفاوض هي الأخرى. وهو أمر كرره ترامب مراراً وتكراراً طوال حملته الانتخابية.3- تنفيذ الرئيس الأمريكي وعوده الانتخابية: صرَّح ترامب طوال حملته الانتخابية بأنه سينهي الحرب الروسية الأوكرانية، وسيوقف نزيف الدماء والأموال المستمر، مشيراً إلى علاقته الطيبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبقدرته على إنهاء هذه الحرب خلال يوم واحد، وهو الأمر الذي حاول تغييره بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، موضحاً أن الأمر سيستغرق بعض الوقت وليس يوماً واحداً.ومع ذلك، فإن تصريحات ترامب الأخيرة، تؤكد رغبته في طمأنة الناخبين الأمريكيين بأنه سيسعى لتحقيق كافة وعوده الانتخابية، خاصة أنه نجح قبل تنصيبه بالتعاون مع إدارة بايدن في الضغط على إسرائيل للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس بشأن الحرب على قطاع غزة، وكذلك وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان.4- تأكيد رغبة ترامب في الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو: أكد الرئيس الأمريكي خلال منشور كتبه على منصته تروث سوشيال أنه لا "يرغب في إيذاء موسكو"، مشيراً إلى الدور المحوري الذي لعبته في تغيير نتائج الحرب العالمية الثانية، والسماح بهزيمة ألمانيا النازية، مشدداً على "حبه للشعب للروسي"، وأنه لا يرغب في تدهور الوضع الاقتصادي الروسي بدرجة أكبر من ذلك، بما يؤكد رغبته الداخلية في الحفاظ على علاقات معتدلة مع موسكو.احتمالات النجاحهناك مجموعة من الاحتمالات بشأن نجاح ترامب في تحقيق مبتغاه من وقف الحرب الروسية الأوكرانية، ونجاح تهديده بفرض عقوبات على روسيا. وبوجه عام يتوقف نجاح هذا التهديد على مجموعة من العوامل:1- حدود تأثير العقوبات على قرار موسكو: بالرغم من تهديدات ترامب، إلا أنه قد يفشل في تحقيق مبتغاه مع موسكو، خاصة أن أداة العقوبات زاد استخدامها من الإدارة الأمريكية تجاه الأنظمة المختلفة التي تتعارض معها، وبالأساس خضعت موسكو على مدار السنوات الماضية للعديد من العقوبات من الجانب الأمريكي، لذا فإن المزيد من التهديدات لن تكون مجدية، كما أن وارادت موسكو إلى الولايات المتحدة خلال أول 11 شهراً من عام 2024 لم تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، كما أنها تمثل نسبة ضئيلة جداً من الواردات الأمريكية من الخارج، أي إن تطبيق المزيد من الرسوم الجمركية عليها لن يمثل ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي.وفي هذا الصدد، قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين خلال مؤتمر صحفي: "لا نرى أي عناصر جديدة بشكل خاص هنا.. كان ترامب، في ولايته الأولى، هو الرئيس الأمريكي الذي لجأ في أغلب الأحيان إلى أساليب العقوبات".2- مدى رغبة موسكو في إنهاء الحرب: بالأساس لا تسعى موسكو إلى إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية، وجل ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها داخل أوروبا من مد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية جاء بسبب الرغبة في إطالة أمد الحرب واستنزاف الموارد الروسية، وعدم حسم الحرب لصالحها، خاصة أنها كانت متقدمة بشكل كبير داخل الأراضي الأوكرانية. بيد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن بعد تنصيب ترامب في 20 يناير عن قبوله فكرة التفاوض والاجتماع مع الرئيس الأمريكي الجديد، والتوصل لصفقة بشأن الحرب لتحقيق "سلام طويل الأمد".3- حصول موسكو على بعض المكاسب من تسوية الصراع: حيث سبق وأن صرح ترامب بأنه سيسمح لموسكو بالاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها، بما يعني أنه يقدم بعض التنازلات التي ستدفع موسكو لقبول إنهاء هذه الحرب، خاصة أن أوكرانيا ستكون مضطرة لقبول شروط ترامب. وفي هذا الصدد، صرَّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن ترامب لديه القدرة على وقف هذه الحرب. وبالأساس هناك دعم شعبي في أوكرانيا للجوء إلى المفاوضات لوقف هذه الحرب التي تستهدف المناطق المدنية والبنية التحتية الحيوية في البلاد.4- قدرة ترامب على تشكيل تحالفات للضغط لإنهاء الحرب: لن يكون ترامب قادراً على إنهاء الحرب سوى بتشكيل مجموعة من التحالفات مع الدول المعنية بهذا الصراع من الحلفاء، وفي مقدمتها بالطبع دول الاتحاد الأوروبي. لكن هذا الأمر لن يكون يسيراً في حال توجه ترامب لتطبيق التعريفات الجمركية المرتفعة التي توعد بها.5- مدى استمرار التحالفات الداعمة لموسكو: وعلى صعيد آخر، يمتلك بوتين شبكة من التحالفات التي تدعم عجلة الحرب لديه، والتي تتمثل بصورة رئيسية في الصين وإيران وكوريا الشمالية، الذين ساعدوه على إدارة عجلة الاقتصاد الروسي والالتفاف على العقوبات، ومن ثم هناك حاجة لمراعاة كافة هذه العوامل عند التفكير في الضغط على موسكو للتوصل إلى صفقة لوقف الحرب.قراءة الواقعختاماً، يمكن القول إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليها أن تقرأ الواقع الجديد الذي نجحت موسكو وبكين في تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث سمحت الشراكة بينهما في تخفيف وطأة العقوبات الأمريكية والأوروبية على موسكو من جهة، كما ساعدت الأخيرة على الاستمرار في هذه الحرب على الرغم من الدعم الأمريكي الأوروبي المقدم لكييف. وفي حال أراد ترامب إنهاء الحرب، فسيكون عليه التفكير في هذه الأمور قبل التهديد بفكرة العقوبات تجاه قوة نووية مثل موسكو، قادرة على إلحاق الضرر بمصالح واشنطن في رقع مختلفة من العالم. بيد أن إنهاء الحرب في الوقت الراهن، سيصب في صالح جميع الأطراف، فمن الناحية الروسية ستتوقف عملية الاستنزاف التي تتسبب هذه الحرب بها، وعلى المستوى الأوكراني ستخف الأضرار الملحقة ببنيتها التحتية ومدنها جراء القصف الروسي، وعلى المستوى الأمريكي ستتوقف الأموال المتدفقة إلى كييف، وستكون واشنطن أكثر قدرة على التفرغ للصراع مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولذلك من المتوقع قبول المفاوضات خلال الفترة المقبلة.

دلالات تهديد ترامب بفرض عقوبات على روسيا حال عدم إنهاء حرب أوكرانيا