عبد الرحمن عاطف


        
<p><strong>استدعى الصراع الأوكراني أدواراً رئيسية للشتات المنتشر في عدد من الدول الغربية، وهو الأمر الذي ارتبط بديناميات الصراع الذي تحول إلى صراع موسع بين روسيا والدول الغربية، تُوظَّف خلاله أدوات سياسية واقتصادية ودعائية عديدة، وهو ما أفسح حيزاً أكبر لتحرك تجمعات الشتات باعتبارهم "وكلاء لكييف" يعملون على تقديم الدعم لأوكرانيا عبر المناصرة الإعلامية وتنظيم فعاليات داعمة لها، وتدشين حملات دعائية مُضادَّة لروسيا، علاوةً على التواصل مع مجموعات متنوعة من المؤسسات الغربية (الحكومية وغير الحكومية) بهدف حشد المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، وكذلك إقناع الدول الغربية بمضاعفة الضغوط المفروضة على موسكو لإرغامها على إيقاف العملية العسكرية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الحضور المكثف</span></strong></p>



<p><strong>ينتشر الشتات الأوكراني في أماكن متعددة حول العالم، ويتركز أغلبه في أوروبا وأمريكا الشمالية، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبولندا والتشيك ومولدوفا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا. ويمكن استعراض أهم مناطق الشتات الأوكراني التي كان لها دور بارز خلال الأزمة على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– التواجد الأوكراني في الولايات المتحدة: </strong>يُشكِّل الشتات الأوكراني في الولايات المتحدة أكثر من 1.1 مليون فرد. وتعتبر الجالية الأوكرانية الأمريكية في مدينة ديترويت بولاية ميتشجان الأمريكية، أكبر الجاليات الأوكرانية وأكثرها نشاطاً في البلاد؛ حيث يعمل أفرادها على حث المسؤولين الأمريكيين على مناهضة الحرب الروسية في أوكرانيا. وتعتبر "لجنة الكونجرس الأوكراني الأمريكية" (UCCA) المنظمة الرئيسية لتمثيل مصالح الأوكرانيين في الولايات المتحدة منذ عام 1940، وتُوحِّد المنظمة أكثر من 20 منظمة أوكرانية أمريكية تحت مظلة واحدة؛ هذا بجانب وجود منظمات أوكرانية أمريكية أخرى مثل منظمة "نوفا أوكرانيا"، التي كان لها دور خلال الأزمة الأوكرانية عبر تحديد المناطق الأكثر احتياجاً للجهود الإنسانية في أوكرانيا، ثم جمع الأموال لتوفير الإغاثة لتلك المناطق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التأثير السياسي في كندا: </strong>بالإضافة إلى الدعم الرسمي الذي قدمته الحكومة الكندية إلى أوكرانيا خلال الأزمة الأخيرة، تدفقت مبالغ كبيرة من كندا كان مصدرها الأفراد والكنائس الأوكرانية والمنظمات المجتمعية التي تشكل "مؤسسة كندا–أوكرانيا"، بجانب دعم الشتات الأوكراني في كندا للشركات والجامعات والمستشفيات والمبادرات الإنسانية في أوكرانيا. وذلك يرجع أساساً إلى حجم الشتات الأوكراني في كندا وما يمتلكه من تأثير سياسي كبير؛ فهو يشكل أكثر من 1.3 مليون فرد، وهو بذلك يكون ثاني أكبر شتات أوكراني في العالم بعد الشتات الأوكراني في روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– النشاط الموسع في المملكة المتحدة: </strong>تعتبر "رابطة الأوكرانيين في بريطانيا العظمى" (AUGB) أكبر هيئة تمثيلية للشتات الأوكراني في المملكة المتحدة، وقد قدَّمت المنظمة دعماً واسعاً للشعب الأوكراني منذ الحرب الروسية في أوكرانيا؛ حيث أرسلت ما يقرب من مليوني جنيه إسترليني إلى المؤسسات الخيرية في أوكرانيا؛ لتقديم المساعدة للمتأثرين من الحرب، بجانب حرص المنظمة على تأييد أوكرانيا في وسائل الإعلام البريطانية، كما أن المنظمة نسقت وعملت مع الحكومة والجمعيات الخيرية في بريطانيا لتقديم الرعاية المناسبة للاجئين الأوكرانيين. يُضَاف إلى ذلك استمرار النشطاء الأوكرانيين في بريطانيا في حضور جلسات مختلفة في البرلمان، وعملهم على التواصل مع أعضاء البرلمان البريطاني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تزايد اللاجئين في بولندا: </strong>منذ تدخُّل روسيا في شرق أوكرانيا، ازدادت عدد المنظمات التي تهدف إلى دعم أوكرانيا في بولندا؛ وذلك عن طريق عدة طرق مختلفة؛ أهمها تقديم المساعدة العسكرية والطبية والإنسانية لملايين اللاجئين الأوكرانيين؛ حيث إن بولندا مثَّلت الوجهة الأولى لملايين من اللاجئين الأوكرانيين، وأكد ممثلو منظمات الشتات الجديد في وارسو أن تلك المنظمات تركز على الأهداف السياسية، ويشمل ذلك إعداد الخطابات والالتماسات الرسمية الموجهة إلى السياسيين الأوكرانيين والدوليين الذين يمكنهم التأثير على الوضع في أوكرانيا، بجانب تنظيم فعاليات سياسية ومسيرات للضغط على السفارات في بولندا. وقد أقام أعضاء الشتات الأوكراني في بولندا علاقات جيدة مع السياسيين الذين يدعمون أوكرانيا في بولندا وأوروبا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– الشتات الأوكراني في رومانيا: </strong>يمثل الأوكرانيون ثالث أكبر عرقية في رومانيا، ويتركزون في شمال رومانيا بمناطق قريبة من الحدود الأوكرانية، وقد ازداد عدد الأوكرانيين في رومانيا زيادةً ملحوظةً منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في أواخر فبراير الماضي؛ حيث فر أكثر من 4.5 مليون لاجئ من أوكرانيا، وفي حين أن نحو 2.6 مليون لاجئ أوكراني اتجهوا إلى بولندا. فإن رومانيا شهدت ثاني أكبر تدفق للاجئين الأوكرانيين بعد بولندا، بإجمالي يُقدر بأكثر من 600 ألف لاجئ، وهما بذلك تكونان أكثر الدول التي تولت رعاية اللاجئين الأوكرانيين خلال الأزمة الأوكرانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تصاعد الدور</span></strong></p>



<p><strong>تفترض </strong><strong>Élise Féron</strong><strong> </strong><strong>في دراستها المشتركة مع </strong><strong>Bruno Lefort</strong><strong>، عن العلاقة بين الشتات والصراع، أن "الأحداث الكبرى، على غرار الحروب التي تشهدها دول المنشأ، عادةً ما تؤدي إلى تعبئة تجمُّعات الشتات في الخارج". ربما تصلح هذه الفرضية لتفسير الدور المتصاعد للشتات الأوكراني في خضم تطورات العملية العسكرية الروسية داخل أوكرانيا؛ فمنذ بداية الأزمة الأوكرانية، اتجه أعضاء الجالية الأوكرانية في أماكن متفرقة من العالم إلى إظهار التضامن مع الشعب الأوكراني ومواجهة روسيا؛ وذلك عبر تقديم أشكال مختلفة من الدعم. وبوجه عام، هناك ملامح عامة يمكن الاستدلال بها على دعم الشتات الأوكراني لكييف خلال الأزمة الأوكرانية، وذلك على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– تنظيم وقفات احتجاجية: </strong>خرجت العديد من الاحتجاجات المؤيدة لأوكرانيا حول العالم منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وكان من أبرز الأمثلة على ذلك خروج تظاهرة كبيرة في بروكسل في 24 مارس الماضي، بغرض مطالبة الغرب بتشديد العقوبات على روسيا، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بروكسل لحضور قمة أوروبية حول أوكرانيا؛ حيث دعت الجالية البلجيكية الأوكرانية واللاجئون الأوكرانيون، المؤسسات الأوروبية إلى تزويد أوكرانيا بالدفاعات الجوية، وتقليل اعتماد أوكرانيا على النفط. وكانت الاحتجاجات في بروكسل مهمة؛ لأنها شوهدت من قِبَل كبار المشرعين في أوروبا، كما أرسلت رسالة واضحة للتضامن مع الشعب الأوكراني في جميع أنحاء العالم، وكانت بمنزلة رسائل إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية وإلى الشعب الأوكراني مفادها أن العالم لا يزال يحتج على الحرب الروسية في أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– جمع التبرعات لأوكرانيا: </strong>إذ يقود ويشارك أفراد من الشتات الأوكراني حول العالم بدرجة كبيرة في حملات التبرعات المحلية والدولية لدعم أوكرانيا منذ بداية الأزمة الأوكرانية، وكان أبرز تلك الحملات "ستاند أب فور يوكراين"، التي جمعت أكثر من 10 مليارات يورو، وهي حملة أطلقتها المنظمة الدولية "جلوبال سيتيزن" بدعم من الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو. وقد ساهم أفراد الشتات بجانب كبير من تلك الحملة بجانب مساهمتهم في غيرها من الحملات.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الضغط لإيقاف مشروع نورد ستريم 2: </strong>ركَّزت جهود حملة لوكلاء أوكرانيا في الولايات المتحدة على إيقاف خط الأنابيب "نورد ستريم 2″، وزيادة الضغط على روسيا، الذي رأى المسؤولون الأوكرانيون أنه لم يكن أقل تهديداً لأمنهم من التدخل العسكري الروسي؛ حيث إن اكتمال خط الأنابيب يعني السماح لروسيا بتصدير الغاز الطبيعي مباشرةً إلى ألمانيا وباقي أوروبا؛ ما يؤدي إلى خسارة أوكرانيا المليارات التي تكسبها من نقل الغاز الروسي إلى أوروبا. ومن هنا حاول أعضاء من الشتات الأوكراني، بجانب ممثلي "الاتحاد الأوكراني لأصحاب العمل في صناعة النفط والغاز" (UFEOGI) أكبر اتحاد لشركات الطاقة في أوكرانيا؛ إقناع أعضاء الكونجرس الأمريكي بالضغط على صناع القرار لإيقاف المشروع. وترتَّب على ذلك فرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركة المسؤولة عن خط إمداد مشروع "نورد ستريم 2″، كما أعلنت ألمانيا إيقاف المشروع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– المساهمة في حرب المعلومات: </strong>اتجه الأوكرانيون العاملون في شركات التكنولوجيا الغربية حول العالم، إلى محاولة إيقاف مواقع المعلومات الداعمة لموسكو في الصراع، وكذلك حث الروس على معارضة سياسات حكومتهم، كما اتجهوا إلى محاولة إقناع شركات مثل شركة "كلاود فلير" لأمن الإنترنت، وشركة "جوجل" وشركة "أمازون"، لبذل المزيد من الجهود لدعم أوكرانيا، بجانب ضغط خبراء التقنية الأوكرانيين خارج البلاد على شركات الأمن السيبراني بغرض قطع العلاقات مع روسيا. كما أن وحدات الدفاع الإلكتروني الأوكرانية، تعتمد على متخصصي تكنولوجيا المعلومات في الشتات الأوكراني، الذين تشمل أعمالهم القيام بعمليات مُضادَّة على شبكات الإنترنت، مع بث رسائل وصور مناهضة للحرب مُوجَّهة للدول، على أمل حشد شعوب العالم والمواطنين الروس ضد الحرب. علاوةً على ذلك، فقد أشارت تقارير إلى تعاون أفراد من الشتات الأوكراني مع مجموعة "أنونيموس" وشركات مختلفة للأمن السيبراني لمهاجمة مواقع الويب الروسية التي تنشر معلومات داعمة للسردية الروسية في الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– التطوع للقتال في أوكرانيا: </strong>تطوَّع الآلاف من المقاتلين القدامى والأوكرانيين في الشتات فيما يعرف بـ"الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" لمحاربة القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية. وفي ذلك السياق، قال حرس الحدود الأوكراني إن "الوطنيين من الأوكرانيين الذين عاشوا أو عملوا مؤقتاً في الخارج، يأتون إلى أوكرانيا للانضمام إلى القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية الأخرى"؛ حيث كان عدد الجيش الأوكراني يقدر بنحو 261 ألف جندي قبل الغزو الروسي، منهم 11 ألفاً في قوات الدفاع المدني. وفي غضون أسبوع واحد فقط، انضمَّ 100 ألف شخص إلى القوات المسلحة الأوكرانية.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، فإن الصراع في أوكرانيا أضفى المزيد من الزخم على أدوار الشتات الأوكراني؛ حيث إن وجود أعداد كبيرة من الأوكرانيين في دول غربية رئيسية، سمح لهم بالاقتراب من مراكز صنع القرار في هذه الدول، ناهيك عن استغلال حالة التعاطف المجتمعي والإعلامي الغربي مع أوكرانيا، والهواجس الأمنية الغربية تجاه السياسة الروسية. وفي سياق كهذا، باتت تجمعات الشتات الأوكراني فاعلاً هامّاً في الصراع قادراً على كسب التأييد وزيادة الوعي الدولي بمعطيات الصراع والعمل على مضاعفة الضغوط على موسكو؛ من أجل إحداث تغيير في مسار الصراع.</strong></p>

      

كيف تفاعل الشتات الأوكراني مع التدخُّل العسكري الروسي؟