د. منى سليمان

عُقد ببروكسل "المنتدى العالمي لمستثمري البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى" يومي (29 و30) يناير 2024، بغية بحث الشراكة طويلة المدى بين الطرفين، وبختامه أعلن الاتحاد عن ضخ 10 مليارات يورو للاستثمار في ممر النقل عبر بحر قزوين الذي سيربط آسيا الوسطى بالدول الأوروبية خلال رحلة برية مدتها 15 يوماً؛ ما يدشن مرحلة جديدة للتعاون بين الطرفين ويعزز نفوذ الاتحاد بالمنطقة، وينافس نفوذ القوى الإقليمية بها، وأبرزها روسيا التي دعا ممثل الاتحاد للشؤون الخارجية "جوزيب بوريل" دول آسيا الوسطى إلى فرض عقوبات عليها، بيد أنها لم تستجب لتلك الدعوات حتى الآن؛ للحفاظ على الروابط السياسية والاقتصادية المشتركة مع روسيا، ولحرصها على استمرار التوازن في علاقتها الخارجية بين موسكو والدول الغربية، بيد أن هذا الموقف سيعرضها للمزيد من الاستقطاب الدولي من عدة قوى كبرى، أبرزها الاتحاد الأوروبي؛ وذلك في ضوء التغيرات الجيوسياسية بالقوقاز وآسيا الوسطى بعد الحرب الأوكرانية.

كيف يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز نفوذه بآسيا الوسطى؟

البوابة العالمية:

وقَّعت دول البلطيق (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا) يوم 19 يناير 2024 على اتفاق أمني بينها بغية تعزيز تأمين حدودها وإنشاء بنية تحتية عسكرية جديدة باعتبار ذلك جزءاً من خطة إنشاء "خط دفاع البلطيق"، خشية تمدد النطاق الجغرافي للحرب الروسية في أوكرانيا التي بدأت قبل عامين وشن هجوم روسي ضدها. والدول الثلاثة أعضاء بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وستشارك في مناورات "المدافع الصامد 2024" التي سيبدأها الحلف نهاية يناير الحالي، وتستمر لثلاثة أشهر، وتحاكي اندلاع "الحرب العالمية الثالثة"؛ مما يضاعف التوترات بين دول "البلطيق" وموسكو، وسط ترقب لرد الفعل الروسي على ذلك التصعيد الأطلسي ضدها؛ ما ينذر بإعادة رسم السياسات الأمنية بمنطقة بحر البلطيق في ظل التغيرات الجيوستراتيجية الإقليمية الراهنة.

ما دلالات اتفاق تأمين حدود دول البلطيق؟

خط الدفاع:

دعا تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي "منتدى دافوس" المنعقد بسويسرا في شهر يناير 2024، "الدول المحايدة إلى إنشاء قوة عمل عسكرية بحرية في البحر الأسود لمرافقة السفن التجارية المصدِّرة للحبوب والأسمدة من المنطقة"؛ وذلك بغية تأمين وصولها، ومواجهة الأخطار الأمنية التي تواجهها، ولضمان الاستقرار في أسواق الغذاء العالمية. ولم يكشف التقرير عن ماهية هذه الدول أو عددها، ومن المرجح أنها ستكون من دول حلف "الناتو". وقد رهنت روسيا موقفها من المقترح بمعرفة تفاصيله، فيما رفضته نخبتها؛ نظراً إلى أنه يمثل تهديداً للوجود العسكري الروسي بالمنطقة. والمقترح يؤكد تصاعد أهمية البحر الأسود في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا للعام الثالث، وسيؤدي إلى إثارة التوترات بالمنطقة، إثر تكثيف النشاط العسكري بين دول البحر الأسود، ناهيك عن انخراط قوى خارجية في المنطقة وفي مقدمتها حلف الناتو والولايات المتحدة؛ ما يخل بتوازن القوى بالمنطقة، ويرشح البحر الأسود ليصبح منطقة صراع محتمل بين روسيا و"الناتو"؛ ما يهدد الأمن الإقليمي والأمن الغذائي العالمي.

ما حدود نجاح خطة تشكيل "أسطول محايد" في البحر الأسود؟

مقترح دافوس:

وقَّعت الولايات المتحدة الأمريكية وفنلندا اتفاقاً عسكرياً في منتصف ديسمبر 2023 يتيح لها استخدام 15 قاعدة عسكرية بالدولة الأوروبية؛ ما أدى إلى تصاعد التوتر بين روسيا وفنلندا الذي بدأ مع انضمام الأخيرة إلى حلف "الناتو"؛ حيث حذر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" من "تأزم العلاقات بين موسكو وهلسنكي"، وأعلن عن نشر مدافع متقدمة على الحدود المشتركة، وإنشاء منطقة عسكرية جديدة للرد على نشر "الناتو" قواته على الحدود الفنلندية الروسية، وسط ترقب للمزيد من خطوات التصعيد القادمة من موسكو وهلسنكي وواشنطن لإعادة رسم السياسات الأمنية بشمال غرب أوروبا بعد التغييرات الجيوستراتيجية الإقليمية الراهنة.

ما مآلات التوترات المتصاعدة بين روسيا وفنلندا؟

تمدد الناتو:

أعلنت أرمينيا، يوم 25 ديسمبر 2023، عن توجه رئيس وزرائها "نيكول باشينيان" إلى روسيا للمشاركة في قمة "رابطة الدول المستقلة"، في ظل توتر العلاقات بين الدولتين، إثر اتهام يريفان لموسكو بالتقاعس عن دعمها عسكرياً بحرب "كاراباخ" ضد أذربيجان والدفاع عنها بصفتها عضواً بمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، والتلويح برغبتها في الخروج من التحالفات العسكرية مع روسيا. وتزامن مع ذلك تقارب أرميني فرنسي أمريكي؛ الأمر الذي أثار الجدل حول مستقبل الوجود العسكري الروسي بأرمينيا خاصة، وجنوب القوقاز عامة، وانعكاس ذلك على التطورات الجيوسياسية بالمنطقة المتصلة بتداعيات الحرب الأوكرانية وتمدد حلف "الناتو" شرقاً؛ ما يضاعف المواجهات الروسية الأمريكية بالمنطقة.

ما تحديات تفكيك أرمينيا تحالفها مع موسكو؟

انشغال روسيا:

شهدت معظم الأحزاب التركية خلال الآونة الأخيرة انتخابات داخلية بها؛ فقد تم إعادة انتخاب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" رئيساً لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، كما أجرى حزب الشعب الجمهوري المعارض مؤتمره العام الذي شهد فوز مرشح تيار "التغيير" "أوزغور أوزيل" برئاسة الحزب، وخسر رئيسه المرشح الرئاسي السابق "كمال كليتشدار أوغلو" نتيجة تصاعد الانتقادات له منذ مايو الماضي عند خسارته الانتخابات الرئاسية أمام "أردوغان"، وقد مثَّل فوز "أوزيل" تغيراً في قيادة وفكر أكبر أحزاب المعارضة التركية؛ الأمر الذي سينعكس على معطيات المشهد السياسي التركي داخلياً؛ حيث تستعد كافة الأحزاب لإجراء الانتخابات المحلية المقررة في ربيع 2024، وتعهد كل من "أردوغان" و"أوزيل" بالفوز فيها.

التحديات المطروحة أمام الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري في تركيا

فوز "أوزيل":

اختتم الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" يوم 2 نوفمبر 2023 جولته الأولى بآسيا الوسطى التي يبحث فيها عن تعزيز نفوذ بلاده بالمنطقة، وزار خلالها دولتي كازاخستان وأوزبكستان، وأكد رغبته في تعزيز الشراكة معهما، كما ثمن موقف الدولتين المتوازن من الحرب الأوكرانية في ظل علاقاتهما المتميزة بروسيا. وجولة "ماكرون" تضع فرنسا على خريطة القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة التي تشهد زخماً من حيث التطورات الجيوستراتيجية، واهتماماً أوروبياً متصاعداً وسط احتدام التنافس بين روسيا والصين وتركيا على بسط النفوذ وتنفيذ مشروعات ممرات النقل الإقليمية لربط دول المنطقة الحبيسة بالقارة العجوز.

تحديات توسيع الحضور الفرنسي في آسيا الوسطى

تعدد الفاعلين:

وقَّع رئيس جمهورية إقليم "كاراباخ" السابق "سامفيل شهرامانيان"، في 28 سبتمبر 2023، على مرسوم يُنهِي وجود الهياكل المؤسسية للإقليم من مطلع العام المقبل؛ وهذا بعد استعادة أذربيجان السيطرة على كامل أراضي الإقليم، عقب شن عملية عسكرية خاطفة ضده؛ الأمر الذي أنهى النزاع المسلح بين الأخيرة وبين أرمينيا للسيطرة على الإقليم استمر ثلاثة عقود، كما أنه سيؤدي إلى تكريس واقع جيوسياسي جديد بمنطقة جنوب القوقاز، من خلال إعادة تشكيل الأدوار الدولية والإقليمية بالمنطقة، في ظل الجدل حول تراجع النفوذ الروسي والإيراني مقابل تصاعد الدور الأمريكي والتركي والأذري بها.

ملامح إعادة تشكيل الأدوار الدولية والإقليمية بمنطقة القوقاز

تحولات استراتيجية:

اختتمت يوم 7 سبتمبر 2023 القمة الـ(43) لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وعدد من الفعاليات المشتركة للرابطة مع أطراف إقليمية ودولية، وهي القمة التي عقدت بإندونيسيا تحت شعار "الآسيان مهمة: محور النمو"؛ وذلك بمشاركة نحو 27 دولة منها الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وبحثت القمة سبل تفعيل دور الرابطة على الصعيدين الإقليمي والدولي ومعالجة القضايا الاقتصادية الراهنة؛ وذلك وسط تصاعد التوترات الإقليمية بالمنطقة، لا سيما بعد اعتراض دول الرابطة على انتهاكات بكين في بحر الصين الجنوبي، وانتقاد النظام الحاكم بميانمار وأزمة كوريا الشمالية؛ هذا فضلاً عن تصاعد التنافس الإقليمي بجنوب شرق آسيا والهندوباسيفيك بين بكين وواشنطن، في ظل جملة من التغيرات الجيوسياسية التي تهدد استقرار المنطقة؛ ما دفع دول الآسيان إلى التحذير من تحول المنطقة إلى حرب باردة جديدة في ظل الاستقطاب الدولي الحالي.

د. منى سليمان

د. منى سليمان

الإصدارات

الأكثر مشاهدة